كنت أعجب أشد العجب عندما يقال إن للعاقل أو الحليم حيرة ودهشة وتعجبا وهما من خيار القوم وقدوتهم، ولكن يبدو أن للعديد من الأمور التي نتعايش معها باستمرار دوام الحيرة والتعجب، وفي خضم كثير من التعقيدات التي تصادفنا، فمن ضمن تلك الأمور المضحكة أن تفتح كلياتنا ذراعيها لطلابها مع التشجيع والتحفيز المستمر للعديد من التخصصات التي قد تكون في مستوى الندرة أو على الأقل اتخذت صفة الندرة، مقارنة مع غيرها ومع التخرج، وفيما بعده يتفاجأ الجميع أن ذلك التخصص مع ندرته أو خلافه أو حتى عدمه غير موجود في الخدمة. الأسبوع الماضي اجتمع عدد من الأبناء الخريجين في تخصص الحاسب أمام الجهات ذات الاختصاص مطالبين بتوظيفهم والأدهى في الأمر أن منهم من تخرج منذ أربع سنوات ومنهم دون ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتوفر تلك التخصصات ضمن كلياتنا وجامعاتنا وسوق العمل وعموم فرصه في استغناء عنه؟ ولماذا يندر أن يكون هناك دراسة لتلك الأمور مع الشركات والمؤسسات والقطاع الخاص بشأن إيجاد العمل المناسب للتخصص المناسب؟ في تصوري أن وزارة التخطيط يقع على كاهلها القاسم المشترك للحد من تلك المنغصات التي آلمت العديد من الخريجين وأضاعت الوقت والجهد والمال لكلا الطرفين، من جانب الدارس والمتلقي وأيضا من جانب الجامعة التي وفرت في الأصل مقاعد الدراسة ولكن دون فوائد يصبو إليها الجميع فيما بعد، من المجتمع ككيان ومن الفرد كجزء من تلك المنظومة المشتركة. نعلم جميعا وبلا شك أن حكومتنا الرشيدة جندت إمكانياتها لخدمة الجميع من حيث عموم شرائح المجتمع؛ ولكن يبقى الدور الأكبر على عاتق الجهات المسؤولة في دقة التخطيط والاختيار والتوجيه، لطالما أن هناك إمكانيات مجهزة من جهة وأيضا أبناء يجتهدون لخدمة بلدهم ومجتمعهم. فمن المستفيد من تخصصات غير مطلوبة؟ أعتقد أن الجميع خاسر في تلك المعادلة التي هي في الأصل ليست بحاجة إلى فك رموز وتعقيدات تثير الجدل، فهل من تبكير في الخطط وتقنينها على الوجه المطلوب لنحقق سويا أهدافنا المنشودة التي ينشدها مجتمعنا؟