من يملكون منظورا مختزلا للوطن لا بد أن يختلط عليهم مفهوم الهوية. في الماضي كان الانتماء يعني الهوية التي تتحدد بالعرق أو بالانتماء إلى إحدى الهويات الصغرى: عرقية، مذهبية، دينية طائفية لكن اليوم تغيرت المفاهيم. فالهوية الوطنية ليست شعاراً، أو مستنداً رسمياً، أو عرقيا، إنها نزوع عميق لتقدير الذات بما يضمن الأمن النفسي والاستقرار الانفعالي للإنسان ليتعزز شعوره بمكانته واحترامه وكرامته. وفي الحقيقة أن هذا النزوع لفكرة الوطن والهوية ظهر وتزايد الاهتمام بالمواطنة على نحو متسارع منذ أوائل تسعينات القرن العشرين، وتوسع مفهوم الوطن والمواطنة بأكثر من دلالة. فهو يأتي في العربية من الجذر "وطن"، وفعل وَطَنَ يعنى أقام في المكان، فالتحديد الأول لمعنى وطن هو علاقة بالمكان. ويقال وطَّن الأرض، هيأها للإقامة فيها، ووطِّن نفسه على الأمر هيأ نفسه، فتهيئة المكان للإقامة فيه لا تنفصل عن تهيئة النفس للإقامة في هذا المكان دون غيره، ما يشي بأن التوطن مقترن بالاختيار، وأنه فعل من أفعال الإرادة الحرة. وصيغة واطَن، على وزن فاعَل، تعني المشاركة، ومنها المواطنة، أي التشارك في الوطن تشاركًا حرًّا أو نابعًا من الإرادة الحرة. فاليوم أصبح المواطن عضوا في دولة حديثة يتمتع بما تقرره المواطنة من حقوق مدنية وسياسية وما تعينه من واجبات مدنية والتزامات قانونية، الفارق في مفاهيم الوطن والمواطنة والهوية هو في الأفكار التي تبث، والتي يتبناها كل الأطراف، الوطن والمواطن ومنها يحدث التغيير، لكن مشكلة الشعوب أنها تعتقد أن التغيير هو تغيير أشخاص، ولكن الحقيقة أن التغيير هو تغيير أنظمة وأفكار خاطئة واستبدالها بأخرى ناجحة وصحيحة وإنسانية. العالم اليوم بات متغيرا تماما وعلينا منذ الآن تعلم كيف سنعيش في العالم الجديد بكل متغيراته لكي يكون بمقدورنا دخول هذا العالم. لأن هذا الطريق يمر عبر انتشار الوعي. فهل يستطيع الفكر تغيير الواقع؟ هل بمقدورنا تغيير الفكر الجمعي والاجتماعي لبناء واقع جديد لفكرة الوطن والمواطنة. يصعب التفكير فعلاً في تأسيس وطن بدون هوية فالهوية ترتبط أكثر بالانتماء الوجودي والاجتماعي. فهل الجميع - الوطنيون، والمنتمون، والمنظرون - مستعدون للتخلي عن تصوراتهم الضيقة لمفهوم الهوية لأجل مفهوم "الوطن الكبير".