"العروسة" و"الشطرنج"، و"القزاز"، و"الكورة"، مسميات لا يعرف شفرتها السرية سوى من عاش أو ارتبط بالمنطقة التاريخية أو المنطقة المركزية بالبلد بمحافظة جدة.. تلك الأسماء السابقة شكلت في منظور أهل المنطقة "حلويات زمان"، التي راجت منذ عقود، ولا تزال صورتها الذهنية صامدة في وجه "الماركات العالمية" الشهيرة. الحلويات الأربع تحديداً شكلت مفصلاً تاريخياً مهماً في حياة هذه المنطقة التي لا تزال تكافح من أجل تعزيز هويتها في الجيل الحالي والأجيال المقبلة، وهي نسخة "طبق الأصل" لحلويات الحارات الأربع التي شكلت سوار جدة قديما، وهي اليمن، والبحر، والشام، والمظلوم، قبل هدم السور عام 1947. في البقعة المقابلة لبرحة "نصيف" الشهيرة، المحاذية لامتداد سوق العلوي، لا تزال المحال التجارية المتخصصة في بيع الحلويات محافظة لليوم – كجزء من التراث التقليدي - على هوية "حلويات زمان" شاءت أم أبت، لأن من قطن أو تربى في جدة القديمة، أو حتى من العاشقين لكيان هذه المنطقة وروحها، لا يزال يداوم على شرائها، من تلك المحال، ولم تنجح الماركات العالمية من الحلويات في إخفائها، بل ظل الإقبال عليها من قبل المستهلكين مرتفعاً بعض الشيء. في حارة اليمن المقابلة لمتحف بيت نصيف الشهير، أسس خمسة من المهتمين بالمنطقة التاريخية، مركزاً مصغراً لحفظ هوية تاريخ هذه المنطقة، باسم "المركز الوطني للأبحاث والتوثيق"، يسعون من خلاله إلى بعث مضامين هوية هذه الضاحية الحيوية من عروس البحر الأحمر، وفي هذا الاتجاه افتتحوا محلاً من طابقين يحوي بعض تفاصيل تلك الروح أسموه مقعد "جدة وأيامنا الحلوة.. أسلوب حياة"، وحينما تدخل إلى مقرهم فأول ما تستقبلك "حلويات زمان" الأربع. عن تاريخ هذه الحلويات، يقول أحدهم وهو الدكتور محمود الصعيدي (متقاعد من الخطوط السعودية) ل"الوطن": "إنها ترتبط بهوية المكان والزمان والإنسان في المنطقة التاريخية، وأصبحت أيضا جزءاً لا يتجزأ من طبيعة المكان الثقافية والجيوغرافية، فالبيوت القديمة كانت لا تخلو منها هذه الحلويات، وبمرور الزمن أصبحت تحمل "دلالة رمزية" وليست فقط مجرد "حلويات" تأكل وانتهى الأمر". يعتقد كثيرون أن "حلويات زمان" ينحصر وجودها في موسمي العيدين، خاصة عيد الفطر المبارك، حيث تبيعها أكشاك الحلويات التي تبدأ حركتها في المنطقة التاريخية في الأيام الثلاثة الأخيرة لشهر رمضان، حيث تكون هذه الحلويات بمثابة "الواجهة الرسمية" لأكشاك البيع، بسبب إقبال المجتمع الجداوي عليها لتقديمها في ضيافة العيد للمهنئين. إلا أن عدداً من أصحاب المحلات في المنطقة التاريخية الذين تحدثوا إلى "الوطن" نفوا ذلك على الإطلاق، مؤكدين أن عمليات بيع تلك الحلويات مستمرة على مدار العام، مضيفين أن بعض الأسر والعوائل القديمة التي تسكن المنطقة لا تزال تأتي بشكل منتظم لشرائها، فهي تذكرهم ب"الأيام الخوالي"، وذكريات السنين الماضية. بل إن بعض الأسر العريقة التي قطنت هذه المنطقة تلجأ إلى الحجز المسبق لهذه الحلويات، وربما تتعجب من حماس أصحاب تلك المحال ودفاعهم عن هذه الحلويات، ونفيهم القاطع أنها فقدت بريقها أو جزءا منها من رمزيتها أمام "الشوكولاته والحلويات العالمية" التي تمتاز بجودتها العالية. محمد السعيد (أحد الباعة) أكد أن "التنافسية هنا غير موجودة أصلاً، لأن "حلويات زمان" تحمل في طعمها دلالات التاريخ"، بل ذهب بعضهم إلى الحديث بالأسلوب المحلي الدارج "حلويات زمان غير يا بويا"، وآخرون رددوا عبارة "قديمك نديمك". ويطمح أصحاب المحلات بأن تحظى "حلويات المنطقة التاريخية"، باهتمام هيئة السياحة والآثار، وأن تتدخل بالدعم والمساندة لحماية هذا التراث "الحلو" من الانقراض.