حينما يدور الحديث عن قامة عربية لها في صدر الأصالة مكان، ولها في ميزان الأدب والشعر والنقد ثقل يشار إليه باعتزاز وتقدير في الساحة الثقافية وما يتفرع منها من فنون، فإنه من الثابت أن تتجه بوصلة الحديث ولا تخطئ وجهتها، إلى الأديب الشاعر والناقد اليمني الدكتور الكبير "عبدالعزيز المقالح"، المولود عام 1937 في قرية المقالح العريقة بمحافظة إب الأبية، اليمني الأصيل المثقل بالقومية المنضبطة التي لا تقفز في الهواء ولا تسير أيضا على سطح الماء.. هذا التوازن الذي جعله يؤكد أنه لا يزال يبحث عن قصيدة العمر "القصيدة الحلم" منذ نصف قرن، على رغم أنه كتب القصائد التي جعلت منه أحد أهم رواد الشعر الحديث في العالم العربي. عندما دخلت إلى مركز الدراسات والبحوث الذي يرأسه في العاصمة اليمنية صنعاء، وجدته بين الأوراق يبعثر الحروف التي عطرت الأجواء، فأدركت حينها لماذا ودون اعتبار لمشاغبة التضاريس يجتمع الغاوون "أتباع الشعراء" وأضدادهم تحت هتان غيمة بوح كلماته في لحظة سكون تفرضها العذوبة المتجاوزة في نبش المستكن داخل الأرواح، فهو يطلق القوافي من معاقلها النفسية وحروفها مصطفة في مهابة تحبس الأنفاس؛ تارة تظنها وقد اكتملت بناءً عبارات تسير بثياب العيد، وتارة تظنها في موكب حزن دفين، وفي الغالب نحسبها قادمة من الأفق بزخات مطر فاتنة لتنقلنا إلى خط التماس بين الوعي بنكزات التاريخ، واللاوعي المنبعث من مخدر الذكريات، وللأذن بالرقص طربا على وقع كلمات تعانق المحبوس في سويداء القلوب المرهفة، أيضا وجدته "بصمت له هيبة" مثقلا بهموم المشهد الثقافي اليمني أكثر من ضراوة الأحداث السياسية على بلاده، خوفا من أن تطغى تلك الأحداث على الإنتاج الأدبي اليمني فتغيبه، مثلما أسرت فلسطين قلبه منذ عشرات السنين.. المقالح يكشف عن نفسه وإبداعاته بعفوية تلوي الأعناق إلى حيث مقامه، ويلفت الأنظار العصية إلى أعماله عن طريق جودة الإنتاج الإبداعي الأدبي المنسجم مع الواقع، ونزعة المقالح إلى مصارحته "أي الواقع"، بموضوعية تؤطرها الشجاعة الأدبية التي لا تميل نحو اليمين واليسار وفق رغبات وإملاءات الآخرين، وهو الحر المستقل في فكره، المخلص الأمين في بناء الأعمال الأدبية، والصادق في التعبير عن خلجات النفس الحساسة في جوف الليالي، بكلمات مفعمة بالشجن المعزوف على أوتار العاطفة مع مراعاة حساسية محطات البوح لاعتبارات مهمة، وفي ذلك من الصعوبة ما لا يمكن تجاوز الاعتراف به عطفا على طبيعة المجتمع ودرجة مشاركته في ثورات البوح. وله في عرض شؤون الإنسان وشجونه مقام يعتد به ويحسب له حساب الزمان والمكان.. يحركهما في علم "المقالح" الحدث، ويفصل بينهما التأمل الموغل في الاستقصاء المتكئ على مخزون ثقافي قادر بكل أدواته على ترجمة اللحظات بكامل تفاصيلها إلى مشروع عمل أدبي يسري في الشرايين.. لِمَ لا؟ وهو المخالط لكبار الأدباء والعلماء، بدءا من دراسته في صنعاء المنتهية بالدرجة الجامعية عبر محطات لا بد لها من أن تحسب بجدارة في مشوار تحصيله العلمي المتوج بنيله درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، وقبلها الماجستير في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب بالجامعة ذاتها، التي لا تحتضن ردهاتها في زمن دراسته، غير المبدعين المعقود على أعمالهم آمال تساير المستقبل لحراسة فضيلة اللغة العربية وآدابها. له في ميدان الشعر مؤلفات كثر منها: "لا بد من صنعاء" عام 1971، و"رسالة لسيف بن ذي يزن" 1973، و"ورق الجسد العائد من الموت"، ومن مؤلفاته الشعرية أيضا كتاب: "القرية"، و"أبجدية الروح"، ومن مؤلفاته الأدبية: "شعر العامية في اليمن"، وأعمال مهمة أخرى. تولى "المقالح" مناصب عدة لها من الأهمية مكان في اليمن السعيد والوطن العربي أيضا، وحصل على جوائز عديدة، لاقت أعماله استحسان الجماهير وأشغلت في مساراتها النخب والعامة وقالوا عنها قولا كثيرا جميلا، ليصبح المقالح من الرموز العربية المتفق عليها.