"الربيع العربي" يستعيد ذكرياته في السودان، والتي كانت ربيعاً حقيقياً قبل أن يستحيل خريفاً حقيقياً قسم السودان إلى بلدين متناحرين، ربيع السودان "كان" حين انتفض الشعب السوداني الموحد آنذاك على رئيسه جعفر نميري أواخر شهر مارس وبدايات أبريل عام 1985م. وتلك الذكريات لا تعدو أن تكون بوادر ربيع سوداني لم يدم طويلاً، جاء حين انقلب الجيش بقيادة وزير الدفاع عبدالرحمن سوار الذهب على الرئيس جعفر نميري بعد 16 عاماً من الحكم؛ حقناً للدماء حين أدرك أن الشعب لا يريد "نميري"، رغم ولاء "سوار الذهب" للرئيس جعفر وتصريحه بذلك علانيةً، ولم يبق كثيراً "سوار الذهب" على كرسي الحكم؛ ليثبت للعالم أنه من "ذهب" وأن مستقبل السودان أولى من أي مصالح، فأوصل البلاد إلى بر الأمان برئيسٍ منتخب فسلم البلاد إلى الرئيس الجديد وغادر كل المناصب الحكومية وتولى بعيداً عن كل الأعمال السياسية. عبدالرحمن سوار الذهب المولود بمدينة الأبيض في السودان عام 1935، كان يشغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش في السودان، ثم أصبح وزيراً للدفاع في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، قبل أن ينقلب عليه بأمر الشعب ويصبح رئيساً للبلاد في أقصر مدة حكم، لم تستمر إلا عاماً واحداً لينقل السودان إلى أولى خطوات الديمقراطية بيد العسكر ونادراً ما تحدث، ويرحل بطوع إرادته ورغبته مستدبراً كل السياسة وأشغالها ودهاليزها ميمماً وجهه صوب الدعوة الإسلامية من خلال منظمة الدعوة الإسلامية التي أصبح أميناً لمجلسها. ووصف الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب، إن القرار الذي اتخذه عندما كان قائداً للجيش، بإقصاء الرئيس جعفر نميري، كان انحيازاً من الجيش إلى الشعب السوداني، مبيناً أنه توصل إليه بعد أن تأكد له، كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، أن "نميري" بات لا يملك شعبية، معتبراً أن إقصاء الرئيس وهو في رحلة علاجية في أميركا، كان حقناً لدماء السودانيين، ومنعاً لحدوث انقلاب عسكري من ضابط صغير في الجيش، كما يحدث في بلدان أفريقية. ولم ينس أن يؤكد في حوارات صحفية آنذاك أن ولاءه هو وقيادات الجيش ل "نميري" كان مطلقاً، إلا أنهم تأكدوا بعد الانتفاضة الشعبية أنه لم يعد مرغوباً فيه رئيساً، كما وصفه بأنه رجل ذو عزيمةٍ ومحبٌ لوطنه، وأعطى السودان كثيرا من الإنجازات في شتى المجالات وقال فيه كلاماً كثيراً، في موقف قل مثيله فحين ينقلب العسكر على الرئيس يقصونه ويقصون ذكره وكأنه لم يكن شيئاً مذكورا قبل اليوم. وكان يمكن أن يكون السودان عظيماً في الديمقراطية دليلاً للعالم العربي عليها، قائداً للأمة العربية في ميادين التطور، إلا أنه لم يحافظ على الديمقراطية فلم تدم طويلاً في الخرطوم واستحال الربيع خريفاً يتعاقب مع صيفٍ حارق، ماج وهاج بالسودان حتى صار سودانين يفصلهما السلاح والخلاف، فتفرق الإخوة عن بعضهم بفعل السياسة وحب السلطة والتملك. ..وبقي عبدالرحمن "سواراً للذهب" في معصم العرب.