أصبحنا في حيرة من أمر بعض الآباء، الذين يمارسون مع أطفالهم ممارسات خاطئة من التعذيب، والتهديد، والتخويف، والعنف، والتي ربما أن تكون نقطة البداية لأطفالهم للسير في الاتجاه الخطأ، وبداية بذر مخاوف في نفوسهم، وسكن الاضطرابات في شخصياتهم، ومنزلق تعثرهم في تخطي عمليات التوافق والاندماج مع المجتمع بنجاح، وتعقّد عملية اتصالهم بمن هم يعيشون في محيطهم، وفشلهم في بناء شخصياتهم، بناء يقوم على الثقة والتوافق النفسي، والاستقلال، والقدرة على تحقيق أهدافهم بكل يسر وسهولة، وكل هذا وما هو أبشع مما يمكن لنا تخيله أن يضّر بشخصيات الأطفال ذكورا وإناثا، بسبب (الممارسات الخاطئة من قبل بعض الآباء تجاه أطفالهم) وسواء أكان ما قام به بعض الآباء، عمدا أو جهلا، من ممارسات تجاه أطفالهم؛- سأذكر نماذج منها - بدافع من قناعات قد يراها بعضهم صائبة في التربية، أو في صقل الشخصية وفق ما يسميه بعضهم ب(تعويد الطفل المرجلة). فبدون شك أن الأب الذي يسلك منهج القسوة والعنف، سيترك آثارا سلبية على أطفاله، ودعوني أصطحبكم في بعض ما مرَّ بنا عبر الإعلام من ممارسات لآباء، أراهم مرضى نفسيين، بحسب ما تذكره قوانين علماء النفس والاجتماع "فمن أب يقوم برمي ابنه في مسبح المنزل بهدف التسلية، إلى أب يقوم بتعذيب ابنه بالحرق انتقاما من أم الطفل المطلقة، إلى أب يقوم بربط ابنه باللاصق على الجدار، إما للتسلية أو لتخويفه والحد من حركته، مما أثار استياء الناس، ودفع بحقوق الإنسان بالسعودية للبحث عن ذلك الأب لمواجهته بفعله، إلى أب يقوم بسجن ابنه وحده، إما في أماكن مغلقة أو مظلمة، إلى أب بلغت به الوحشية إلى قتل طفله ذي العشر سنوات بحجة أنه لم يسمع كلامه!". الحقيقة التي لا جدال حولها، أن قيام أي أب بهذه الممارسات العنيفة مع أطفاله أو غيرها، والتي تتجاوز كل حدود التربية والتأديب والإنسانية، إنما ينم عن اضطراب في شخصيته، بما يجعلنا نصّنفه كمريض نفسي، أو أنه يعاني من اختلالات سلوكية أو نفسية، حتى جعلته وهو يمارس أساليب العنف مع أطفاله، وبخاصة الصغار منهم، يتجرد من (عواطفه وأحاسيسه كأب)، وهو مصدر الحنان والعطف والأمان لأطفاله كما يفترض، ويتحول إلى أب متوحش مفترس، قد لا يعي نتائج ما يقوم به، ولذلك فلا يأخذنا الاستغراب بعيدا؛ إذا بدأنا نرى الأطفال الذين هم نتاج لهذه التربية الخطأ، وأساليب العنف، يخرجون إلى المجتمع، ليمارسوا ما كان يمارس ضدهم من عنف، وشعرنا بحّدة في طباعهم، وقسوة في أمزجتهم، ورغبة في الانتقام من المجتمع، لأنه في نظرهم المسؤول عما حدث لهم، أو أنه لم يحمهم مما قاسوه، وبروز طباع جافة تجعلهم لا يميزون في تصرفاتهم بين ما هو صحيح وما هو خطأ، ولمسنا حدوث فجوة في العلاقة بين الآباء وأولادهم، وشهدنا التفكك الأسري، والقطيعة بين الأسر بالكامل، وظهور انحرافات سلوكية خطيرة، وحمل للسلاح، ولجوء للعنف الذي قد يصل إلى حد القتل، واستخدام السلاح الأبيض والناري بكل استخفاف، (ولنعلم أنهم نتاج طبيعي لسلوكيات عنف أبطالها الآباء)، سلوكيات تعد خطأ مئة في المئة، لا يمكن لها أن تفرز للمجتمع؛ إلا جيلا خطيرا يُخشى عليه ويُخْشى منه.