للمرة الثانية خلال أشهر قليلة، نجحت جماعات متطرفة – مجهولة حتى الآن- في قتل قياديين في التيار الوطني الليبرالي التونسي. في 6 فبراير الماضي، اغتالت جماعة مسلحة المعارض اليساري البارز شكري بلعيد. ومنذ أيام، في 25 يوليو، قتلت جماعة مسلحة المعارض الناصري والنائب في البرلمان التونسي محمد البراهمي أمام أفراد عائلته. هاتان الجريمتان السياسيتان، إذا ثبت ضلوع جماعات إسلامية في ارتكابهما كما تدور الشكوك وتصب الاتهامات حالياً، تشكلان سابقة لم تشهدها تونس منذ خمسينيات القرن العشرين وذلك من حيث قتل ناشطين سياسيين باسم الدين. مقتل البراهمي كانت له مضاعفات كبيرة في الشارع التونسي الذي انتفض احتجاجاً على عجز الدولة عن كشف مرتكبي جريمة بلعيد وحماية البراهمي وغيره من المستهدفين. وكانت مجموعة من الشباب التونسي قد بدأت حركة أطلقوا عليها اسم "تمرُّد"، أسوة بحركة تمرُّد المصرية التي ساعدت في إسقاط الرئيس محمد مرسي بعد أن نظمت تجمعات مليونية حاشدة، أيدها الجيش فيما بعد، ضد حكم الإخوان المسلمين. هدف حركة تمرُّد التونسية هو سحب الثقة من المجلس التأسيسي ومن الحكومة. حركة النهضة الإسلامية تشكل الأغلبية في البرلمان التونسي وهي تقود الحكومة. وقال تقرير نشرته مؤسسة "بروكينجز" إن هناك وجهين للتشابه بين حركة تمرُّد التونسية وحركة تمرد المصرية. الوجه الأول أن كلا من الحركتين يشكل استقطاباً مناهضاً للإسلاميين. التشابه الثاني هو أن الحكومة التونسية التي يقودها الإسلاميون فشلت، مثل نظيرتها المصرية، في تحقيق مطالب الثورة الاقتصادية. ويبين استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" الأميركي للأبحاث أن الاستياء في تونس قد يكون أسوأ من مصر، فهناك 78% من التونسيين غير راضين عن الاتجاه العام الذي يسير به بلدهم مقابل 62% من المصريين، و83% يشعرون أن الظروف الاقتصادية الحالية سيئة مقابل 76% من المصريين، و42% يعتقدون أن البلد كان أفضل حالاً في عهد النظام الدكتاتوري مقابل 30% من المصريين. كما يشير استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "بيو" أن 81% من التونسيين يعتقدون أن الفساد زاد كثيراً أو قليلاً بعد الثورة مقابل 64% يعتقدون الشيء نفسه في مصر. من ناحية أخرى، يشير تقرير "بروكينجز" إلى وجود فوارق رئيسة بين الحالتين في مصر وتونس. أولاً، بعكس الإخوان المسلمين في مصر، حزب النهضة لا يحكم بمفرده في تونس، لكنه يقود ائتلافا يضم حزبين علمانيين، ولذلك فإنه لا يتحمل كل اللوم على ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية في البلد من سوء. ثانياً، عملية كتابة الدستور في تونس مستمرة منذ فترة طويلة وشملت نقاشات جدية بين أعضاء المجلس التأسيسي الإسلاميين والعلمانيين، وقد أبدى كلا الطرفين استعداداً لتقديم تنازلات وقبول حلول وسطية. هذا يختلف عن مصر، حيث تمت كتابة الدستور على عجالة من قبل لجنة يسيطر عليها الإسلاميون وتمت المصادقة عليه في استفتاء شارك فيه 33% فقط من المصريين الذين يحق لهم التصويت. التونسيون يتوقون إلى الانتهاء من هذه العملية، لذلك من الصعب أن يؤيدوا تشكيل مجلس آخر أو لجنة جديدة تقوم بالبدء في كتابة الدستور من جديد (كما تطالب حركة تمرد). ما لم تحدث مفاجآت في الشارع التونسي، خاصة في إطار الغضب العارم الذي يسود الشارع التونسي بعد اغتيال البراهمي، فإن فرص نجاح حركة تمرُّد التونسية في تحويل تونس إلى مصر أخرى تبدو قليلة، على الأقل في الظروف الحالية. لكن الأمور قد تتغيَّر فيما بعد في حال استمر المجلس التأسيسي في تأخير الوصول إلى اتفاق حول دستور جديد وعلى خطة طريق للانتخابات وعلى حكومة مستقرة. كان يفترض إتمام هذا العمل منذ تسعة شهور، والتونسيون بدؤوا يظهرون مؤشرات من نفاد الصبر.