لا شك في أن أبرز الجوائز العالمية قيمة ووزناً جائزة نوبل بنسخها المعرفية الست: الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام والاقتصاد. وقد يكون المجهود العربي الوحيد والمعتبر في اختطاف هذه الجائزة بجدارة واستحقاق ودونما محسوبية سياسية محيّرة يعود إلى الروائي الأول نجيب محفوظ (1911-2006م) وذاك عام 1988م، وقد حظيت روايتاه ثلاثية القاهرة (1957) وأولاد حارتنا (1959) بصدى كبير بعد إعلان الجائزة، حتى قيل عنهما بأنهما تتويج لأعماله الأدبية وتذكرة طيرانه حول العالم. هذا المنجز لمحفوظ دفع الروائيين العرب إلى سلك ذات المسلك وتبني ذات الثيم في الرواية، متعمقين في تفاصيلها ومكوناتها الدقيقة وساعين لاستنساخها كما هي عليه من غير تعطيل ولا تكييف، سيّما بعد أن راج في الأوساط في تلك الفترة أن العالم قدّر رواية محفوظ لقيمتها الفكرية المعادية للتوجه الديني السائد في مصر. كان المتسابق السعودي الأول نشراً للروايات ذات الطابع الفكري المضاد كما هي رواية محفوظ، الوزير الراحل غازي القصيبي (1940-2010م) في باكورة أعماله "شقة الحرية" (الصادرة عام 1994)في ذات العام الذي طُعن فيه محفوظ من قبل متطرفيَن. هذه الرواية – شقة الحرية – تتقاطع مع رواية محفوظ من حيث المنطلق الفكري ومن حيث نشأة الأحداث، فكلتا الروايتين تحكيان قصة شخصيات تعيش في القاهرة، بل راح القصيبي إلى ما هو أبعد من ذلك في التركيز على الحقبة 1948-1967م وهي الفترة التي كتب فيها محفوظ روايتيه الشهيرتين، وزاد على ذلك أن استحضر الشخصية (محفوظ) نفسها في الرواية. لحق في التقليد الروائي تركي الحمد (1952م-) في روايته "أطياف الأزقة المهجورة" والتي صدرت بعد رواية القصيبي بعام (أي 1995م) واتفقت هذه الرواية مع رواية محفوظ الثلاثية شكلاً ومع روايته أولاد حارتنا فكراً. فكما أن الثلاثية ثلاث روايات بعناوين أماكن: بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية (شوارع في القاهرة نشأ بها محفوظ)، ذهب الحمد إلى نسخ ذات النهج فوّلد رواية ثلاثية بعناوين أحياء وأماكن: العدامة (حي بالدمام) والشميسي (حي بالرياض) والكراديب (السجون)، أما الثيمة الطاغية في الرواية فهي ذات الفكر المتسائل والمضاد للطابع الإسلامي المألوف. اشتركت الروايات الثلاث (أولاد حارتنا لمحفوظ، وروايتا القصيبي والحمد) في التصعيد الفكري الحاد درجة أن مُنعت جميعها من الأسواق وفرضت عليها رقابة شديدة، فكما حُظرت رواية محفوظ من النشر التسلسلي في جريدة الأهرام بعد اعتراض شديد من علماء الأزهر، كذا منعت روايتا القصيبي والحمد من الأسواق السعودية لفترة من الزمن. يُلحظ أن الاتجاه الأدبي في تلك الفترة إن أمكن تسميتها بفترة ما بعد جائزة نوبل، مر بسمات التقليد والاتباع التام لنموذج محفوظ، ولكن فشلت جهود جميع الروائيين العرب في محاكاة أنموذج محفوظ وبقيت ولادة هذا الأنموذج عسيرة ومُكلفة. وعلى أن الروايتين اكتسبتا شهرة محلية معتبرة في أحسن الأحوال، فلا زالت المحاولات تترى استنساخاً لهذه الاتجاه الأدبي وطرحه محل التجربة والتمكين. وقد تكون هذه المحاولات إيماناً غير مباشر من قبل أصحابها بأن النجاح والنفاذ إلى العالمية في العمل الروائي لا يكون إلا بإثارة سمة روائية تضاد الفكر المعاش وتترك للعمل لدى الناس سمعة وفرصة للنظر والمراجعة. السؤال الأبرز: هل سيظل الروائيون العرب في إيمان تام بأن نجاح الأديب العربي وبلوغه قدر العالمية لا يكون إلا بالمروق عن هويته وإيمانه وفكره باستنساخ نموذج محفوظ الأسبق بغلائقه وعلائقه؟