إلى أين تتجه بوصلة جماعة "الإخوان المسلمين" في مرحلة ما بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي عن منصبه؟ سؤال طرح نفسه بقوة في ظل تصاعد وتيرة الأحداث في الشارع المصري وانقسامه بقوة ما بين تيار الإسلام السياسي، الذي ما زال يؤمن بأن الإطاحة بمرسي كانت فصلاً من فصول المؤامرة والانقلاب على الشرعية، وتيار آخر يؤمن بأن تجربة "الإخوان" في الحكم فشلت وأنها ذهبت بلا رجعة. ويقول الباحث في "مركز دراسات الأهرام" أبو الفضل الإسناوي، في تصريحات إلى "الوطن": إن هناك مسارين محتملين لحركات الإسلام السياسي بصورة عامة: الأول ويتعلق بالمشاركة المحدودة، وتعني أن ظاهرة الإسلام السياسي ستظل قائمة، ما دامت العوامل المنتجة لها باقية. فالقوة التنظيمية، والدعم المادي والمعنوي للتيار السلفي، بسبب موقفه العام من نتائج استكمال ثورة 25 يناير في 30 يونيو، ومبادراته في عدم التحريض على العنف، وقبوله لتعديل مسار الثورة، قد تؤدي إلى استمرار وجود أحزاب للتيارات الإسلامية متوافقة مع المرحلة الجديدة، حتى ولو اقتصرت على المشاركة البرلمانية المحدودة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بغض النظر عن توجهات ومواقف الجماهير من تيارات الإسلام السياسي، بسبب العنف الذي ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين في الشارع المصري بعد عزل رئيسها، الأمر الذي يعني أن مشهد الإسلام السياسي في مصر مكتمل بدون الإخوان، حتى لو رفضوا المشاركة السياسية. أما المسار الثاني فيتمثل في الانحسار النسبي، وهو يتعلق بحدوث تراجع نسبي لظاهرة الإسلام السياسي لفترة زمنية طويلة ما بين 5 و10 سنوات، على غرار ما حدث للتيارات الإسلامية في الجزائر، وتفادي هذا المسار يتوقف على سرعة إدراك جماعة "الإخوان" لأخطائها، ونبذها للعنف، والتحاور مع الشارع السياسي، إذ إن استمرار خطاب الإخوان في دفع المشهد للعنف ينعكس سلبا على موقف الشارع المصري من كافة جماعات الإسلام السياسي، حتى التي شاركت في تفاصيل وبنود المرحلة الانتقالية الجارية بعد 30 يونيو، خاصة حزب النور. سيناريوهات عدة وفيما يتعلق بمستقبل جماعة "الإخوان" في مرحلة ما بعد عزل مرسي، يقول الإسناوي: إنه يمكن الإشارة إلى عدة سيناريوهات ترتبط بسلوك جماعة الإخوان المسلمين تجاه مكونات الدولة المصرية، وذلك على النحو التالي: السيناريو الأول: هو الصراع المسلح، ويعني أن جماعة "الإخوان المسلمين" قد تهجر العمل بالسياسة، وتلجأ للعنف المسلح، كخيار لتأكيد شرعية بقاء الرئيس محمد مرسي، وهذا السيناريو يعتمد في حقيقته على أسلوب المواجهة المباشرة مع السلطة الجديدة، بقيادة الرئيس الموقت عدلي منصور، إضافة إلى رفع السلاح في وجه المصريين المؤيدين ل30 يونيو. وفي حال حدوث هذا السيناريو، قد تخسر "الإخوان" ما قامت ببنائه خلال أكثر من 80 عاما، بل قد يؤدي سلوكها هذا إلى انتهاء مشروع الإسلام السياسي بكافة مكوناته. السيناريو الثاني: التراجع عن العنف الموقت، ويشير إلى سرعة تراجع الأطراف الداعمة للعنف، سواء من بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين، أو من التيار السلفي الجهادي في سيناء، وقد يكون الداعمون لهذا السيناريو هم البراجماتيون الإصلاحيون داخل جماعة الإخوان المسلمين، والذين طالبوا مرسي بعدم العناد مع المطلب الشعبي بانتخابات رئاسية مبكرة، وعدم اللجوء إلى العنف، وإذا تم انتهاج هذا السيناريو، فمن المتوقع أن يتم تطبيقه سريعا، خاصة في ظل مبدأ السمع والطاعة في الجماعة، علاوة على أن هذا السيناريو قد يلقى دعما من قيادات إسلامية في الخارج مثل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، والذي حث على التصالح، حتى لا تضيع الفرصة. السيناريو الثالث: إعادة تجربة "أربكان- أردوغان"، وهي التي استطاع فيها رجب طيب أردوغان، أن يتجاوز مأزق دخول أربكان للسجن ليعيد بناء الحركة الإسلامية في تركيا، ويصل لسدة السلطة فيها. ويستلزم هذا السيناريو سرعة تجاوز الإخوان الإحساس بالهزيمة، وتغليب المنطق على العاطفة، وتطبيق مثل هذا السيناريو يتطلب المراجعة الداخلية السريعة للإخوان، أي أن تقوم الجماعة على الفور بتنقيح واستبدال قيادات جديدة شبابية منفتحة على العصر بقياداتها السابقة، مع فتح مسار جديد داخل الجماعة يتضمن التوجه للدعوة أولا، وأن يكون جزء منه سياسيا. السمع والطاعة ويستبعد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية علي بكر، أن يحدث شباب الجماعة ثورة داخل التنظيم تطيح بالقيادات القديمة، مضيفاً أن "هذه الأمور غير واردة الحدوث داخل التنظيمات الإسلامية، التي يتربى فيها الفرد على السمع والطاعة، حتى لو تنحى محمد بديع، فإن التنظيم بقياداته سيظل موجودا خاصة مع وجود رجل مثل خيرت الشاطر، نائب المرشد الأول للجماعة في حالة خروجه من السجن فسيعمل على إعادة التنظيم، كما أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مرتبط بقلبه الموجود بمصر، وتأثر القلب سيؤثر في التنظيم العالمي والفرعي في الدول العربية، كما أن التيارات المتحالفة مع الإخوان سيتراجع دورها بتراجع الجماعة لأنها ربطت مستقبلها بوجود الجماعة، بينما ستتصدر الدعوة السلفية وحزب النور المشهد السياسي في المرحلة المقبلة وسيكون لهم ثقل، ولكن ليس بثقل جماعة الإخوان المسلمين، كما أن وجودهم سيزداد خاصة في الصعيد الذي ما زال يميل للإسلاميين". مستقبل "الإخوان" ويرى الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب، أن جماعة الإخوان المسلمين تواجه محنة اليوم في ظل عدم استكمال اختبار مشروعها على أرض الواقع بتدخل الجيش والجماهير التي استدعته، مضيفاً أن "مستقبل الجماعة مرهون بثلاثة سيناريوهات: الأول يتمثل في أن تتدبر الجماعة ما جرى لها في عام من توليها السلطة، وتراجع خطتها وطريقتها في التفكير، وتحاول الاستفادة من نموذج تركيا وتونس والمغرب، وهو نموذج يقوم على فكرة الانسياب اللطيف في الحياة السياسية، وتأجيل فكرة الهيمنة المبكرة القائمة على فكرة الغلبة دون المشاركة، وهذا يتطلب صعود قيادات جديدة داخل الجماعة أكثر شباباً وانفتاحاً على مجتمعها والعالم. والثاني أن تشعر الجماعة بخسران رهانها الديموقراطي، وأن تمضي في معاندة الواقع نحو مفارقته وعدم الاعتداد به، وأنها قادرة على تغيير هذا الواقع من خلال الحشد والتعبئة، اللتين قد تفضيان إلى مزيد من التشدد والذهاب بالجماعة إلى طريق المواجهة مع الدولة المصرية، وهنا فإن رمزية الدولة مهمة، لأنها في الحقيقة هي التي أطاحت بالرئيس المعزول، بسبب أنها امتنعت عليها، فلم تمنحه طاعتها ومغاليقها، وبسبب أن الرئيس لم يفهم روحها جيداً، لأنه جاء من خارجها، فمواجهة الدولة أو العزوف عنها سيضع الجماعة في خيار، ما قادها لأن تكون ضحية لغضب تلك الدولة ونقمتها، وهو ما سيقودها إلى مزيد من التشدد الذي قد يفرخ للعسكرة، وهو ما يجعلنا نعود لأعوام 1954 و1965 الصعبة، التي بذلت الجماعة جهداً كبيراً للتخلص من آثارها. أما السيناريو الثالث فيتمثل في احتمال أن تسود داخل الجماعة حالة من السخط على إدارة مرحلة وجودها في السلطة بين الأجيال الأصغر سناً، ويجد أولئك أنهم غير قادرين على إنجاز رؤيتهم من داخل الجماعة، فيخرجوا منها لتأسيس حزب سياسي جديد يحمل خطاباً جديداً متجاوزا خطاب المحنة، ومؤسساً لخطاب مصري بمرجعية إسلامية، بعيداً عن فكرة التنظيم ولا حتى فكرة الجماعة ذاتها، وهنا نكون أقرب للحالة "الأردوغانية". ويشير حبيب إلى أن"السيناريو الثاني هو الأقرب لمشاعر اللحظة الراهنة، حيث إن قيادات الجماعة الكبيرة فى السن، لا تزال تسيطر، كما أن الجماعة تشعر بالتهديد، وهي تخالط في الميدان الآن تنوعاً كبيراً مما أطلق عليه السلفيات السائلة، حيث أصبح الرئيس المعزول عنواناً لمظلومية الإسلاميين، وأن الديموقراطية لم تصنع لهم، أما السيناريو الأول والثاني فقد يكونان واردين في المستقبل القريب أو البعيد نسبياً حين تحدث انتخابات في الجماعة، أو حين يتم تجاوز اللحظة الراهنة بكل تعقيداتها واحتمالاتها ونتائجها، أو كما أقول حين "تذهب السكرة وتأتي الفكرة". الدعوة قبل السياسة ويقول المحامي المنشق عن "الإخوان" مختار نوح: "إن عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية تتوقف على عودتها إلى مبادئ عمر التلمساني، المرشد الراحل، التي تهتم بالدعوة قبل السياسة، وتبتعد عن محاولات التمكين والسيطرة، مضيفاً، في تصريحات ل"الوطن"، أنه "لا بد من تغيير الفكر وقيادات الصف الأول مثل المرشد الحالي محمد بديع، والمهندس خيرت الشاطر، ويجب على الإخوان الانفصال التام عن الجماعة الإسلامية، ونبذ العنف لأن الشعب يكره العنف والداعين له مهما كانت الأسباب". أزمة داخلية ويؤكد عضو الهيئة العليا لحزب مصر القوية الدكتور أحمد عبدالحميد، وهو أحد المنشقين عن الإخوان، أن عودة الجماعة للحياة السياسية ترتبط بحل أزمتها التي تنقسم إلى شقين أولهما الشق القانوني، مضيفاً أنه "لا بد أن تخضع الجماعة لرقابة الدولة لمعرفة مصادر تمويلها وأوجه إنفاقها، وأن تصبح مؤسسة دعوية فقط دون تدخل في السياسة، ويجب فصل الدعوة عن السياسة حتى لا يسقط المشروع الإسلامي والدعوة، مثلما حدث بسقوط محمد مرسي، كما أنه يجب على جماعة الإخوان المسلمين إعادة هيكلة التنظيم، وإبعاد رجال التيار القطبي عن إدارته، لأنهم نفذوا تعاليم سيد قطب بتحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني، وجعله صراعا بين الحق والباطل وبين الكفار والمؤمنين". أما المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين أحمد عارف، فيختصر مستقبل الجماعة قائلاً: "نريد لمن يرغب في أن يجعلنا خصما له ألا يستهين بنا كخصم، نحن لدينا تاريخ من الخبرة وتراكم أكثر من 80 عاما، ومررنا بمحن حتى لم يسمعوا بها، ولدينا عمل مؤسسي قوي قائم على معان تربوية ودعوية، وبالتالي نحن خصم صعب لأن لدينا نسقا عقائديا".