كنت أقود سيارتي من ولاية كنتاكي الأميركية، متجها إلى العاصمة واشنطن، لمسافة تمتد لأكثر من 16 ساعة، لزيارة الملحقية الثقافية، بقصد إنهاء معاملة تخصني، وزوجتي المبتعثة، وخلال ذلك كانت تجول في داخلي توجسات من أنني لن أتمكن من إنهاء الإجراءات، وأحدث نفسي متسائلا.. كم مرة ينبغي علي المرور بهذا الطريق الشاق مستغرقا 32 ساعة ذهابا وإيابا. لم تكن مخاوفي تلك إلا نتاج صورة نمطية عن بعض المسؤولين، وتصنيفهم للمراجعين بشكل سيئ، وما كنت أسمعه من هذا أو ذاك، إلا أنني ومن خلال تجربتي هذه، تعززت قناعاتي بأنه لا ينبغي الحكم إلا بعد التجربة. خلال زيارة واحدة، قابلت فيها الملحق الثقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين بواشنطن الدكتور محمد العيسى، وجدته أكثر حرصا مني على وقتي، إذ أصدر تعليماته بإنهاء معاملتي التي عادة ما تستغرق أسابيع، خلال يوم واحد، وضغطه على موظفيه لإنهاء موضوعي، كوني قدمت من مكان بعيد، ولم أعد لوجهتي إلا والموضوع قد تم علاجه. والحقيقة، أن الموظفين، ورغم الضغط، كانوا يقومون بعملهم بكل ارتياح، واستشعرت في داخلهم قوة الدافع وهو خدمة الوطن، والإحساس بالمسؤولية الجسيمة، والحرص على تذليل الصعاب للطالب، حتى لا ينشغل بمسائل ثانوية، وينجح في الهدف الأبرز من ابتعاثه، وهو الدراسة. أمام هذا كله، لم تكن سعادتي بإنهاء معاملتي، بقدر سعادتي الكبرى بوجود مثل هذه النماذج ممن لديهم هذا الحس الوطني، والإخلاص في العمل، والرسالة السامية، النابعة من توجيهات خادم الحرمين الشريفين بخدمة المواطن في بلده وخارجه على أكمل وجه، دون تفرقة أو تصنيف، فالطلاب كافة يحصلون على نفس المعاملة، طالما كانت معاملاتهم قانونية، ورأيت كيف يمثل الطالب قمة الأولويات. أخيرا، ما نراه من إنجازات يحققها طلبة سعوديون في الخارج، لم تكن لولا توفيق الله، ثم دعم خادم الحرمين الشريفين، ومهندس الابتعاث وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، والمخلصين في عملهم، أمثال الدكتور العيسى، والعاملين في الملحقية، فلهم الشكر.