يستعد أهالي جبال قيس التابعة لمحافظة العارضة بمنطقة جازان مبكرا لاستقبال مواليدهم، بعيدا عن منازلهم في تلك الجبال، والنزول بهم إلى مناطق بها مستشفيات وبعيدة عن الطرقات الوعرة.. وتأتي رحلة العودة لتلك الجبال بذلك الضيف الجديد. ورغم الطبيعة الساحرة في تلك الجبال، إلا أنها لا تعكس سوى صعوبة الحياة فيها، وهو ما جعل الأهالي يهجرونها، ليس لنقص الخدمات الصحية ووعورة الطريق فقط، بل لنقص الخدمات الأساسية، وعدم توفر المياه، فأحمد يحيى مفرح القيسي يهجر قريته "الجملة" ويترك منزله الذي كلفه "تحويشة" العمر ليكون بقرب مصدر لعصب الحياة وهو الماء، رغم أنه ليس له مصدر دخل سوى مساعدة الضمان السنوية، وقال القيسي: "تبرع لي أحد فاعلي الخير بمنزل في قرية المجازيع بنفس الجبل، وحلمي الوحيد الحصول على وظيفة حارس مدرسة؛ لتوفير لقمة العيش لأسرتي الكبيرة المكونة من 9 أفراد". رحلة "الوطن" استمرت لساعات عاشت خلالها الإحساس بمعاناة الأهالي.. فالطرق وعرة والمياه شحيحة والخدمات الصحية غائبة إضافة إلى أكثر من 400 شخص يحلمون بالكهرباء في قرية "الجثم" التي تشتهر بزراعة البن والموز والمحاصيل الزراعية. مغادرة الحوامل يضطر أرباب الأسر إلى النزول إلى محافظات تهامة خوفا من وعورة الطريق التي ستكون سببا في إجهاض نسائهن، وأشار عثمان القيسي – أحد سكان جبال قيس -إلى أن الشقق المفروشة في محافظة "العارضة" و"أبو عريش" هي الحل الآمن للنساء لقربهم من المستشفيات، خاصة في أشهر الحمل الأخيرة. معاناة معاقة مطرة يحيى هتلان، تسعينية معاقة تعيش مع ابنتها في منزل هو مطبخهما وغرفة معيشتهما تبرع به لهما بعض فاعلي الخير. وتروي المسنة مطرة معاناتها "أنا معاقة أصارع المرض، وأحتاج لرعاية صحية، وأحلم بمنزل يؤويني مع ابنتي"، وتضيف "أحصل على 900 ريال إعانة من الضمان لا تفي بمتطلبات الحياة فأغلبها يذهب نفقة للمواصلات التي تكبدني مبالغ طائلة بسبب مراجعاتي للمستشفيات، خاصة أني لم أعد أحتمل وعورة الطريق التي تفاقم حالتي المرضية".. مشيرة إلى أنه أصبح من الضروري إنشاء مستشفى يخفف من معاناة أهالي جبال قيس. تقرير منذ عام جابر جبران، عاش عاما من المعاناة، وهو يراجع مستشفى الملك فهد بجازان بحثا عن تقرير طبي لابنه المعاق مهند؛ ليقوم بضمه لمركز التأهيل الشامل، ومضى يقول: "حاولت إلحاق ابني بمركز التأهيل إلا أن المسؤولين اشترطوا إحضار تقرير عن حالته، ومنذ عام وأنا أراجع بابني مستشفى الملك فهد ولم أجد تجاوبا مع حالته، ومن خلال "الوطن" أناشد المسؤولين بوزارة الصحة إنهاء معاناتي لأتمكن من تسجيل ابني في مركز التأهيل بجازان". مقابر مهملة وتتصاعد معاناة أهالي جبال قيس بعد أن ظهر الراقدون تحت التراب في مقابر وادي سقم، التي بحاجة إلى تسوير يحفظ كرامة الموتى، إذ عبر جبران القيسي عن حزنه العميق لما ألم بمقابر موتاهم. وقال: "بدأت أجزاء كبيرة من العظام تظهر.. وعانى الأهالي كثيرا من إعادتها بتغطيتها بالتراب والحجارة". وطالب بلدية العارضة بالنظر في وضع موتاهم، طالما أن الخدمات البلدية لم تصل الأحياء منهم. راع يعشق الفيزياء حسن القيسي، طالب بجامعة جازان، لم يثنه حبه لمواشيه، ولم تعقه وعورة الطرق عن إكمال دراسته الجامعية، إذ يعمل خلال عطلة الأسبوع على رعي الغنم بأودية وسفوح جبال قيس مساعدا والده المسن، ويتفرغ بقية أيام الأسبوع لمذاكرة دروسه في "عزبته" بقرية المعبوج بعد أن حقق حلمه بدخول قسم الفيزياء بجامعة جازان، ويشير قيسي إلى أن تخصصه بذلك القسم كان حلما يراوده منذ الصغر. في انتظار الأسفلت من جانبه، قال شيخ شمل قبائل قيس حيدر بن دخنان القيسي: "منذ عدة اعوام ونحن نطالب بسفلتة طرق جبال قيس، وقمنا بمسح الطريق على حسابنا الخاص، إضافة إلى أن الخدمات الصحية متدنية، ولا يوجد سوى مستوصف فقط". وأشار ابن دخنان إلى أن الأهالي بحاجة لمستشفى يحد من معاناتهم، خاصة أن النساء يلدن في القفار بسبب وعورة الخط، وزاد من معاناتهن عدم وجود مستشفى بقرى الجبل. وبين شيخ قيس أن معظم القرى بحاجة لمدارس ثانوية، وأن شبكة المياه من أهم المطالب التي يبحث عنها الأهالي، وقال: "إن المياه أنشأت خزانا للمياه إلا أنه لم يتم تشغيله"، موضحا أن وادي عناء، ووادي سقم، حصدا الكثير من أرواح أهالي قيس، وجرفا الكثير من السيارات، وذلك لعدم وجود كَبارٍ، وقال: "عند هطول الأمطار وجريان السيول يحتجز أهالي الجبل، ولا يمكنهم التنقل إلى المحافظات والقرى الأخرى، مما يعيق الطلاب عن الذهاب إلى مدارسهم والمرضى عن مراجعة المستشفيات". وكشف شيخ قبائل قيس أن هناك قرية لم يستطع الأهالي فتح الطريق على حسابهم لظروفهم المادية الصعبة، وهي "قرية الجثم"، إذ هاجر أغلب أهالي تلك القرية إلى معظم مناطق المملكة؛ بسبب نقص الخدمات، وعدم وجود خط يوصلهم إلى قريتهم، نطالب مديري الدوائر الحكومية مساواتهم بقرى المناطق الجبلية الأخرى لينعموا بالخدمات التي تنفق عليها الدولة مبالغ طائلة. مركز رعاية ل1898 مواطنا من جهته أوضح مدير إدارة الإعلام الصحي محمد الصميلي، أن ما يخص الخدمات الصحية بجبال قيس، فإن مركز الرعاية الصحية الأولية بقيس يقدم الخدمات العلاجية والوقائية للمواطنين البالغ عددهم نحو 1898 نسمة في منطقة عمل المركز، مشيرا إلى أن المركز يقدم برامج الرعاية الصحية "التي تشمل التحصين ورعاية الأمومة ورعاية الطفولة والأمراض المزمنة وغيرها من الخدمات العلاجية من علاج وضماد وفحوص مخبرية وذلك أسوة بباقي مراكز الرعاية بالمنطقة"، وكشف الصميلي أنه تم إدراج المركز ضمن مشروع الإحلال للمراكز الصحية، إلا أنه لم يتم استلام المقاول للموقع حتى الآن متعللا بصعوبة الطريق، كون المركز يقع في جبال قيس الحدودية وتم مخاطبة الوزارة بذلك. مشاريع مقبلة من جانبه أوضح الناطق الإعلامي بأمانة جازان طارق رفاعي أن "جميع الخدمات البلدية مقدمة بشكل جيد"، مشيرا إلى أن هناك مشاريع مقبلة في جبال قيس، وبالنسبة لتسوير مقبرة وادي سقم أكد الرفاعي أنه سيتواصل مع رئيس بلدية محافظة العارضة بشأن ذلك. "ترابية" تحت الصيانة إلى ذلك أكد مدير عام الطرق بجازان المهندس ناصر الحازمي، أن طريق قيس ضمن أولويات واهتمامات الطرق، وأنه بالنسبة لصيانة الطريق الترابي المتبقي، فقد تعاقدت الوزارة مع شركة لصيانة الطرق الترابية، ومنها طريق قيس ويتم صيانته بشكل دوري، وبين الحازمي أن طول الطريق 25 كلم اُعتمد منه 2 كلم ونصف، وطلب في ميزانية العام المالي استكمال باقي الطريق. وعن عدم وصول التيار الكهربائي لقرية الجثم، أكد مدير شركة الكهرباء المهندس محمد العجيبي، أنه توجد لجنة بإمارة جازان لدراسة ذلك. .. وترحيب كبير ب "الوطن" فوجئت "الوطن" لدى وصولها إلى جبال قيس، بحجم الاستقبال والترحاب من شيخها وأهاليها، وعند سؤالهم عن سبب هذا الترحيب الكبير قالوا إن "الوطن" هي "أول صحيفة تزور جبالنا وتطلع على أوضاعنا، ولا بد من إكرام رجالها الذين تكبدوا المشاق للوصول لنا". ومن يزر جبال قيس يدرك حجم المعاناة التي يتكبدها الأهالي يوميا مع وعورة الطريق ونقص الخدمات.