"لا أستطيع تحمل البقاء هنا".. هذا ما قلته لنفسي بعد الأسبوع الأول من وصولي لغرب أستراليا كمرافقة لزوجي الذي يواصل تعليمه العالي. قبل ذلك كنت اعتقد أن من يعيشون بالخارج أشخاص محظوظون، لأن لديهم الفرصة لإكمال تعليمهم، وكذلك تجربة حياة مختلفة عما هي عليه ببلادنا، واكتساب خبرات جديدة، كما يمكن اعتبارها رحلة سياحية طويلة نوعا ما، إلا أن نظرتي لتلك الأمور تغيرت بعد تجربتي في العيش، وممارسة الحياة في بلدان الابتعاث بكافة تفاصيلها، حيث عانيت كثيرا في اللحظات الأولى من استقراري ببلد الغربة، ومررت بما يسمى "الصدمة الثقافية". لم أكن أرى في الغربة سوى الجانب السيئ منها، وهو بعدي عن عائلتي، وأحبتي، وعملي، ولكنني تعلمت الكثير خلال فترة وجودي القصيرة "ثلاثة أشهر فقط".. أن مملكتي لها المكان الأول في قلبي، وقلوب بقية المبتعثين، وأن الجملة التي غالبا ما رددتها هي عين الحق "والله ما مثلك بها الدنيا بلد". حقا إن الغربة جعلتني أكثر تعلقا بوطني، وعلمتني أنه ليس هناك بلد يساويه مهما بلغ ذروة التطور. تعلمت أن حكومتنا الغالية بذلت قصارى جهدها لتطوير مواطنيها، ومساعدتهم على تحقيق الأفضل. تعلمت أننا (كسعوديين) موضع غبطة، وربما حسد هنا في الخارج من حيث الوضع المادي، والصحي، وكذلك الدراسي، حيث يحق لمرافق المبتعث الدراسة ومساواته بالمبتعث الأصلي بالمميزات.. تعلمت أن لكل شيء مهما بلغت بساطته قيمة، كابتسامة أمي، وصوت أبي.. تعلمت الصبر والتحمل، والاعتماد على النفس.. تعلمت أن السعي لتحقيق الطموح صعب، ومليء بالعثرات، ولكنه ليس بمستحيل.. لم أكن لأفكر بهذه الطريقة لولا أنني تذكرت أنني لست وحدي في الغربة، فهناك مئات الآلاف غيري، وكما استطاعوا التأقلم سأستطيع، وكما تمكنوا من الوصول لأحلامهم وطموحاتهم سأصل بإذن الله.