في الوقت الذي تواجه الحكومة السعودية أزمة حقيقية فيما يتعلق بتوظيف المواطنين الذين يدخلون سوق العمل سنوياً والذين يقدر عددهم بنحو 250 ألفا سنوياً، يستمر القطاع الخاص في توظيف العمالة الأجنبية متجاهلاً الأثر السلبي على المدى البعيد للبطالة، وهو ما يزيد من المخاوف المستقبلية حول إمكانية استيعاب الاقتصاد للباحثين عن عمل، خاصة أن القطاع العام لا يستطيع توظيف سوى 6% من ربع مليون مواطن يحملون ملفاتهم الخضراء "العلاقي" في انتظار فرصة جديدة. وأوضح رجل الصناعة وعضو مجلس الشورى الدكتور عبد الرحمن الزامل أول من أمس خلال وجوده في نادي أبها الأدبي أن البطالة في المملكة واضحة بنسب أكثر مما نقرأ في أدبيات الحكومة والمختصين، وهي تزداد سنويا بصورة مقلقة، فالخريجون يمثلون 250 ألفا في السنة والحكومة لا تعين أكثر من 15 ألفا. والزامل الذي يرأس مجلس إدارة شركة الزامل للاستثمار الصناعي ومركز تنمية الصادرات السعودية كان حازما في إجابته على سؤال "ما هي إشكاليات توطين الوظائف في المملكة؟"، السؤال الذي طرحه نادي أبها في أمسية اختلط فيه الأدب بالاقتصاد. وأمام هذا السؤال القديم الجديد، رد الزامل على الحاضرين برفضه مقولة إن البطالة اختيارية، مؤكدا أن كل وظيفة يقوم بها مستقدم هي وظيفة لسعودي، خاصة أن 80% من هؤلاء المستقدمين يعملون لصالحهم. وأشار إلى أن فرض السعودة على شركات القطاع الخاص عامل رئيسي يوظف من 80 إلى 100 ألف سنويا. وأضاف أن كل الشركات العملاقة مثل "سابك وغيرها " تشبعت مما أدى إلى محدودية الفرص. وقال " لدينا أربعة لاعبين في موضوع التوطين، الدولة والقطاع الخاص والمواطن وتاجر التأشيرات، والرابع المواطن. ولكل منهم حججه. وذكر أن المملكة استقدمت العام الماضي وحده 800 ألف شخص لا يقرؤون ولا يكتبون لينافسوا السعوديين "، وطالب بترشيد الاستقدام، منوها بتجربة أرامكو في هذا الخصوص. ومشكلة البطالة في المملكة أنها تتركز خارج المدن، وهو ما يعني أن المدن ستواجه إشكالية مستقبلية في توظيف ساكنيها، إضافة إلى أولئك القادمين إليها بحثاً عن فرص عمل. ووصف البطالة بأنها "قنبلة موقوتة، لأن الشباب عندما يعون أن الحلول غير متوفرة ستكون النتيجة سلبية وأصعب من الإرهاب، لأنهم يطلبون حق العيش"، مؤكدا أن التحدي كبير والحلول يجب أن تكون جذرية. غير أنه أوضح قائلا : "أنا آخر من يدعو لطرد الأجانب من هذا البلد طالما يقومون بالعمل". واستشهد الزامل بمثال على المشكلة التي تواجهها المدن الصغيرة، إذ أوضح قائلاً "هناك 11 ألفا يتنافسون في الطائف على 18 وظيفة في المستشفى التخصصي". واستعرض الزامل حجج أعداء السعودة، خصوصا ما يدعونه بتأخير تنفيذ المشاريع، مؤكدا أن كل أصحاب المشاريع لديهم ما يكفيهم إذا حققوا السعودة، وأن المشاريع العملاقة "لا تتأثر" . وتناول التدريب وأهميته في تطوير العمل ودور وزير العمل غازي القصيبي في الدعوة إلى تدريب الشباب السعودي داخل الشركات. وناقش بعض الفرضيات الخاطئة التي اعتبرها البعض حقيقة، التي تزعم أن العمالة الوطنية كثيرة الغياب، وغير منضبطة، وإنتاجيتها أقل ولا تتبع الأنظمة، بقوله " إنها مجرد فرضيات خاطئة لتبرير هذا الاستقدام الكبير "، وضرب مثلا "بتجربة أرامكو الرائدة، حيث يمثل السعوديون 80% من إجمالي العاملين بها". وأشار إلى التوسع الاقتصادي الكبير الذي تعيشه المملكة، مؤكدا أنه سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد، وعلى توطين الوظائف. واستعرض تجربة ماليزيا والصين وكوريا في هذا الخصوص. وتساءل عن أكثر المناطق معاناة من البطالة، بقوله إنها عمليا موجودة في المناطق النائية التي تمثل 80% من حجم البطالة في المملكة. مبينا أنه لا توجد مقومات ولا أساسيات، وصاحب العمل يريد السوق والتموين والجدوى الاقتصادية، وهي جميعها في المواقع البعيدة وفرص العمل في المواقع النائية ..خدمات السياحة وفرص العمل هي أفضل من الصناعة والتجارة كعائد، وهي مشغولة بأجانب على غير كفالة مستقدميهم وعلى غير التخصص. واستعرض تجربته الشخصية في العمل ، بالتأكيد على أن توظيف الشباب بمثابة بوليصة تأمين للاقتصاد، مطالبا رجال الأعمال بمواجهة التحديات والتسرب الوظيفي، وسلوكيات العمل، داعيا إلى الثقة في الشباب وتخطيط القوى العاملة، قائلا "مشكلة من يحارب السعودة أنه ليس لديه من يجرب أو من يحاول".