يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، من منا لا يدرك عظمة هذا الحديث، ومن منا يطبقه في حياته ويستنير به في تعامله مع واقعه؟ في الحقيقة يبقى الأمر مفقودا أو شبه غائب عند البعض، ولا نقول بسبب الجهل أو عدم العلم. ونحن هنا لا نعطي صفة التعميم، ولكنه أحيانا يغفل بتعمد بعدما تتضح الصورة الجلية في أن هناك من استوطن في داخله حب الظهور والبروز بأي طريقة، حتى جاء عن طريق لسان سليط ويد عدوانية لا تخاف الله، بل تستسلم لعقل شرير ماكر يكبلها الشيطان بحباله. وإن كان اللسان هو مصدر الكلام والأقوال التي تصدر منا، فهناك من جعله سلاحا يستخدم ببذاءة يعكس صورة صاحبه يغرق في الثرثرة والهمز واللمز والشماتة والسخرية والاحتقار والشتم والسب، يعتقد صاحبه في المقولة التي تقول: (إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)، وأن هذا هو من الصفات التي ترتقي بالشخصية وتجعلها مهابة في كل مجلس ولقاء يحسب لها ألف حساب، هذا في واقع الأمر يعكس أحيانا مدى الافتقار إلى ثقافة الحديث التي من أساسياتها التهذيب في القول فيستعاض عنها بساقط الكلام وأرذله للتعويض عن النقص الحاصل في الشخصية. ونحن هنا عندما نرى الكثير من السب والشتم والقذف الذي يملأ واقعنا الإعلامي على كافة وسائله والذي يعطي الحقيقة المرة، نشير إلى كل من يملك بصيرة نافذة وعقلا صاحب حكمة، بأن ينأى بنفسه عن تلك العقول التي ثقافتها قائمة على التجريح الشخصي والتي لا تجيد غيره، ذلك العنوان الذي يدل على ضحالة التفكير وعقمه، يدرك أن النقد الصادق والهادف يصدر ممن يبني كلامه ويزنه ويهذبه ويداوي العلة أو المشكلة بتمعن ودقة وبحقائق ذات خلفية حقيقية ناصعة لا تقبل التأويل أو التخمين, فاظفر بهذا العقل ولا تمش خلف من قال الله فيه "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم". يقول الشاعر: نزه لسانك عن قول تعاب به وارغب بسمعك عن قيل وعن قال. ويقول الشاعر أيضاً: لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عورات وللناس ألسن.