الدائرة نبض حقيقي لعدة قضايا إنسانية ، وتبدأ في دورانها الجديد مع بداية كل عام ، وينسى الجميع أمنياتهم التي حلموا بها أول العام ، وتدور رحى الأيام من غير أن يطولها أي تغيير ، فالأنفس نفسها ، والمبادئ ثابتة في ذاتها ، ويعود كل لمجراه كما كان ، فالذي اعتاد البلبلة ، واتخذ نقل الكلام وسيلة للحصول على غايته لا يسلى هذه العادة السيئة ، فتجده ينثر القصص هنا وهناك ، ويختلق أموراً ليس لها وجود متناسياً أن الأيام لا تدوم ، فإن كانت اليوم معه فغداً ستتركه لتكون مع غيره ، وهذه القاعدة ليست حديثة عهد ، بل هي معروفه منذ القدم ، وعليها يتساوي مع الثرثار من تمكن بأسلوبه لنيل مكانه معينة يرنو إليها في الحياة ، ليذهب بعد ذلك بإلقاء الأخطاء على من قبله ، متناسياً أن الدائرة تدور ، وأنه حتماً سيأتي اليوم الذي يغادر فيه ذلك المكان كما أتى ، وبمعنى آخر تدور بنا الدائرة مرة أخرى لننتهي إلى نفس النقطة التي ابتدأنا منها ، وعندها يكون الإنسان هباء بل غثاء لا معنى له ، وقد نهى ديننا الحنيف هذا الفعل (وَلَاتُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) وروي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( شِرَارُ عباد الله المشَّاءون بالنَّميمة المُفرِّقون بين الأحبَّة...) فالواقع لا يرسم لنا دوماً الحقيقة المطلقة التي يسلم لها كل عاقل يدرك أن الباطل سيزهق والحق سيظهر ولو بعد حين ، فالعاقل الواعي لا يعتمد على القيل والقال وما سمعه من فلان وفلانة ليحكم على شخص معين ، إذ ان فيه تضييع للجهد والوقت في كلام يقوم على الظن أو الإشاعة أو التوهم ، والذين يكثرون الكلام يتخذون من المخلصين لعملهم أعداءً لهم فيحاولون الإساءة إليهم ، وتدبير المكائد لهم ، ونصب الشراك والمصائد في طريقهم كي يشوهوا صورة إنتاجهم وأدائهم ، لأن المخلص في عمله يكشف المقصر في أدائه بصورة تلقائية من خلال تقديم صورة نقيضه للأداء الفاسد ، وبالتالي يتوجب على كل من ينصت لأصحاب هذه الفئة أن تكون لديه ملكة التفكير السليم لا سيما إن كان صاحب مكانة مرموقة في المجتمع ليتمكن من معرفة الأمور على حقائقها ، فهذه المهنة التي يمتهنها البعض تفرق جماعات ، وتذهب أوقاتاً ، وتضيع جهوداً وطاقات ، وتثور فتن وشبهات... وحين تدقق في مبدأ الأمر ومصدره تجد الشرارة الأولى ناتجة من كلمات طائشة ، أو اتهامات ظالمة ، أو نقولات خاطئة ، قال الطيبي رحمه الله - اللسان ترجمان القلب ، وخليفته في ظاهر البدن – ومن هذا نستدل على أن القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها ، فصحح نيتك ، وحسن قصدك ، فكم من اعتقاد فاسد مخزون في الجنان فضحه اللسان ، واعلم علم اليقين أن ما تزرعه اليوم تجني ثماره غداً ، وأن الدائرة تدور. من أقوال السلف الصالح رضوان الله عليهم : ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة : إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تفرحه فلا تغمه ، وإن لم تمدحه فلا تذمه. همسه : ما كل ما يقال يصدق. ومن أصدق من الله قيلاً (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).