«الحاشية» مجموعة من البشر تجدهم حول الأمراء والوزراء والعلماء والوجهاء ومن يرتجى منه منصب أو مال، وللأسف الشديد لا تخلو هذه الحواشي من الوشاة والنمامين الذين لا يتقنون من فنون التقرب والتزلف إلا إيغار الصدور والمزايدة على «المعزب» ببذل قربات الولاء عن طريق المتاجرة بأعراض الناس وسبهم بنقل عيوبهم وتشويه سمعتهم، وكل ذلك يتم تحت شعار (نحن مخلصون لك ونحبك أكثر من الآخرين)، وطريقتهم في ذلك أن هؤلاء الآخرين (يسعون إلى مصالحهم الشخصية على حسابك)، ودائماً ما تؤتي وشايتهم حصادها كما كان يحيى بن أكثم يحدثنا: (النمام شر من الساحر، ويعمل في ساعة ما لا يعمله الساحر في سنة). الواشي يعاني من عقدة نقص غالباً، ولذلك تجده يحاول تعويض النقص الذي عنده بالانتقاص من الآخرين، وإحساسه بالحرمان يدفعه إلى الاعتراض على نجاحات الآخرين، وهو يعيش حالة غضب مزمنة مع من لا يستحقون النجاح -من وجهة نظره- فيحاول التنفيس عنها بالكذب والنميمة والوشاية، وإرسال سنارة البحث عن المعايب إلى من تفوقوا عليه. الواشي تسيطر عليه ثقافة الهدم ويفتقد روح البناء الإيجابي، ولا يتمتع بصفات المروءة والشرف الكافية التي تجعله يتسامى عن النميمة، وهو يعبر عن ذاته دون أن ينتبه، فالحسد والكره يدفعانه للإيقاع بخصومه وكما يقول يحيى بن معاذ: (القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها). الواشي فقد نفسه فراح يبحث عنها في نفوس الآخرين، فكم من سياسي محنك أبعدته الوشاية، وكم من تاجر قضت عليه النميمة، وكم من عالم سجنه مخترعو الأوهام، وكم من كفاءة قتل عطاءها الكذابون الحاسدون. ندرب أطفالنا الصغار على أبجديات الوشاية وأصول النميمة عندما نجعلهم يعبرون عن غيرتهم بنقل أخطاء إخوتهم إلينا، ونحن نبارك ونصفق لهذه العمليات الاستخباراتية داخل المنزل بحجة ضبط النظام والقضاء على مخططات الفوضى، ونحن بفعلنا هذا نزج بقلوبهم الصغيرة إلى مستنقع الوشاية. وعلى الكبار الذين يتسابق الناس إليهم بالوشاية أن يغلقوا آذانهم عن بائعي التشويه الذين يتاجرون بإفساد القلوب وشحن النفوس فربنا جل جلاله يقول: (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم)، وامتثل لقول الشاعر المهلبي: دع الوشاة وما قالوا وما نقلوا.. بيني وبينكم ما ليس ينفصلُ. عزيزي الواشي: إن إدمان هذا الطريق قد يحرمك من دخولك الجنة، فرسولنا قال: (لا يدخل الجنة نمام)، والرقص على إيقاع طبول دق الأسافين بين المتحابين ليست رقصة الشرفاء، وأبشع الصفات أن تكون خنجراً مسموماً تطعن به ظهور من تحب ومن لا تحب.