عند استعراض كتاب الباحث عبدالله بن سليمان العتيق، "ثقافة التحريم.. قراءة في آراء وفتاوى التحريم"، ستجد منذ الوهلة الاستعراضية الأولى للمادة العلمية له أنها تحمل في طياتها جدلا يتجاوز الخلاف على "المسائل الفقهية"، إلى محاولة البحث في المدلولات المقاصدية الشرعية في فتاوى التحريم، خاصة في القضايا التي لها علاقة بالمواضيع الأكثر جدلا في الوسط المحلي، كممارسة المرأة للرياضة، وقيادتها للسيارة. وتأتي أهمية الكتاب الحديث الصادر في يناير من العام الجاري لاقتراب صاحبه من حدود التماس الشرعي المحلي لسنوات ليست بالقصيرة، إضافة إلى عمقه حيال النظرة الفقهية الداخلية. ويرى المؤلف خلال حديثه إلى "الوطن" سببين لحصول ذلك، الأول "الفعل القوي" للتأثيرات الكبيرة للعادات والتقاليد الاجتماعية، التي أخذ بها في إصدار تلك الفتاوى، فيما السبب الثاني – وفقا للعتيق- هو المبالغة في حفظ هوية البلاد. المنتديات الإلكترونية المهتمة بالجانب الشرعي، إضافة إلى شبكتي مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر" وصفت الكتاب الذي يقع في 160 صفحة عن دار "مدرك" للنشر، أنه نظرة فقهية متطورة عن السائد في الساحة الفقهية المحلية. أما القضايا التي عالجها الكتاب في قسمه الثاني، فكانت بمثابة الرؤية التحليلية لنماذج بعض الفتاوي والآراء التي حرمت أشياء بلا دليل ومناقشتها في ردها إلى أصول العلم، وبيان مواقف وآراء مخالفة من البعض في هذه النماذج، مع التوثيق في النقل والعزو لكل ما ينقل، فكانت النماذج المطروحة تتعلق بقضايا المرأة، اللباس والأسماء ومادة الرياضة وقيادتها للسيارة واستعمالها التجميل، كذلك تحريم بعض العلوم كالبرمجة اللغوية العصبية وتحليل الشخصيات، وتحريم بعض العادات كعادات الأكل، وتغيير الإجازة الأسبوعية، والسينما، وأعياد "العادات"، وتحريم بعض الألفاظ الدارجة، وكذلك قضية إغلاق المحلات لأجل الصلاة، والتعرض لنماذج من تحريم بعض صور الاعتناء بالمصحف. ويتحدث الكتاب عن ظاهرة "ثقافة التحريم" التي انتشرت لتقطع أصل نعمة الإباحة، من خلال تحريم الكثير من المباحات بلا استناد على دليل واضح صريح، فكان من البُدِّ أن تكون هذه الظاهرة في محك النظر، وفي ميزان العلم، لتقام على ميزان العمل. كما تعرض إلى خطورة التعرض لتحريم ما أباحه الله تعالى، والحذر من الوقوع في تضييق حياة الناس وتحجيرها بسبب منعهم من المباحات بدون أي استناد شرعي، وكذلك بيان أصول المحرم في الشريعة التي يقصد بها منزلة المحرم و بعض قضاياه، و أنه لم يترك ليضعه الناس حسبما اتفق وراق لهم، فكان الكلام عن أن المحرم استثناء وليس أصلا، فهو طارئ، وله أحكام خاصة تناسبه، والطارئ لا يكون إلا محدودا معدودا، فليس هو بالكثير الذي يزاحم الأصليَّ، ولا هو بالذي يشابهه في الكثرة، وعلى ذلك فالمحرم معلل بعلل خاصة به تجعل وصفه بالحرام دقيقا، فلا ينقل الوصف بالتحريم إلى غيره إلا عند التوافق في تلك العلل، وهذه العلة التي حرم بها الحرام تحتاج إلى أصول حتى تعتمد، منها الثبوت. وأدرج المؤلف أسباب نشوء ثقافة التحريم، والتي أجملها في عدة نقاط جوهرية، أهمها "الظاهرية الفهْمية للنصوص"، وغياب الإدراك العِللي، والسبب الثالث تعطيل المقاصد الشرعية، وجاء "الجمود البحثي" رابع الأسباب في انتشار هذه الثقافة، أما السبب الأخير فهو تعطيل الظرف الديني، فما هو حرام في الأزمنة الأولى يبقى كما هو عليه الآن.