"عندما أطلب من ابنتي "نوال" إنجاز أي مهمة تتعلق بالمنزل، تظل طويلا بعد الانتهاء منها تتغنى بذاتها، مدعية أن ما أنجزته فعل خارق يستدعي الإشادة بالنفس، وأن "من حقها" الحصول على جائزة، .. أخشى أن يتطور هذا الشعور معها، ويزداد في بقية مراحل حياتها، خاصة عندما تعمل بعد تخرجها من الجامعة، أو حتى في حياتها الأسرية مع زوجها وأبنائها مستقبلا، لأن شعورها بأنها تستحق الثناء، وأنها تنجز أكثر من غيرها يعمي البصر عن الحقيقة، ويبعث في الوجدان إحساساً كاذباً بالإنجاز، وشعوراً مضللا بالتفوق على الآخر". "أم ماجد" تروي هي الأخرى قصة ابنها البالغ من العمر 28 عاما، ولا يزال يبحث عن عمل، وفي ذات مرة عرضت عليه عدة وظائف، ولكن فرط شعوره بالغرور جعله يرفضها جميعا كونه يعتقد بأنه يستحق الأفضل، وأن "من حقه" الحصول على الأفضل. تقول "منذ الصغر وابني يرى أن من حقه أن يحصل على أفضل الألعاب، ويعتبر ذلك من حقه كونه متفوقا بالدراسة، ولا يرضى بأن يكون مصروفه المدرسي كإخوته، كونه الابن الكبير، إلى أن كبر معه هذا الشعور، فأصبح لا يرضى بأية وظيفة تعرض عليه، ولطالما كان يقول: "لابد وأن أحظى بعمل يتناسب مع ميولي، ويتيح لي الفرصة لترجمة إمكاناتي وقدراتي وطاقتي". وتابعت الأم "أرهقنا ذلك الشعور، حتى أنه كل عام يطلب تغيير سيارته الحديثة، كونها لا تناسبه، وأن من حقه أن يحظى بأخرى مميزة تختلف عن الآخرين". ويعتبر سلطان الطالب في المرحلة الثانوية أن "من حقه" أن يحظى بأرقى أنواع الأجهزة الذكية، حيث يقول "حصلت على 99% ويجب أن أعامل معاملة خاصة من قبل أسرتي". "رضينا بالهمِّ ، والهمّ ما رضي بنا" مثل شعبي فجرته أم ياسر حيث تقول: "كثيرا ما اعتقدت أنني أستحق الزواج من رجل له ذات الإمكانات العقلية والفكرية التي أتمتع بها، ولكن تحت إصرار أسرتي رضيت بشخص غير مكافئ لي في التعليم، ولا حتى في التفكير، أو طريقة التعامل مع أي طارئ يحدث للأسرة". وتابعت بحزن: "لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن من كنت أعتقد أنه لا يكافئني في التفكير والعلم أصبح يتعالى علي كونه رجلا، وهو لا يجيد حتى قول الجملة المترابطة، ومن هنا أجبرت على الرضا بذلك الهم الذي ينتقدني في كل لحظة، والمحزن أنني أعلم في قرارة نفسي ومنذ اليوم الأول لزواجنا أنني أستحق أفضل من ذلك، وهاهي عقوبتي التي أستحقها، لأنني رضيت بمن هو أقل مني، وأنا أستحق الكثير". وأنهت حديثها قائلة: تلك مفارقة كما ترين عجيبة، لكن يبدو أنها جزاء من جنس العمل لمن يقبل بأدنى مما يستحق". من جانبها أكدت أخصائية علم النفس هلالة سالم المعبهل أن "الحالات السابقة توضح أن الاستحواذ سلاح ذو حدين، وقد يعيق طريقة تعامل الشخص مع غيره، في حال تغلب هذا الإحساس، وأصبح مفرطا". وأضافت "النرجسية، والغرور، وتضخيم الذات، وإدامة التغزل بها صفات مذمومة، إذا وجدت لدى الفرد، تجعله غير موضوعي، وقد تمتد إلى أبعد من ذلك، وهنا تكمن الخطورة، حيث يرفض الانخراط بمن هم حوله، ومن ثم يصبح مقعدا عن الفاعلية الحقيقية مع المجتمع لشعوره بأنه هو الأفضل دائما". وأكدت المعبهل أن الشعور بالثقة وبالاستحقاق أمر إيجابي في حياة أي شخص، ويمكن أن يؤدي إلى التقدم الفعلي، شريطة أن يستدعي الفرد منّا المعرفة الحقيقية بالقدرات والإمكانات، وعلى النقيض من ذلك إذا تمكن هذا الشعور من حياة الفرد بإفراط، ستصبح كل تعاملاته مدعاة للمبالغة والادعاء والتضخيم، والتغزّل بالنفس وتمجيدها، والرغبة في الاستحواذ على كل شيء، وهنا يبتعد عن الإنجاز الحقيقي والتقدم الواقعي.