منذ أن كانت صغيرة وعندما أصطحبها للتسوق ونعرج على محل الألعاب ألحظ أنها لا تستوقفها إلا الألعاب المخصصة للذكور، تطور الأمر وأصبحت تفضل الملابس الذكورية كإخوانها وترفض الملابس الخاصة بالبنات التي أشتريها لها، تصرفاتها أصبحت أبعد ما تكون عن تصرفات البنات، قتلت في داخلي فرحة انتظارها طويلا فهي البنت الوحيدة بعد خمسة ذكور، ولطالما كنت أحلم بتزيينها كبقية البنات، حتى شعرها أجبرتني على قصه كباقي الأبناء وحرمتني من وضع الشرائط الزاهية عليه، كبرت فاطمة والتحقت بالمدرسة، وبدأت معاناة من نوع جديد لم أعمل لها حساب من قبل، فابنتي لا تطيق اللعب مع الفتيات، شعرت أن الأمر أصبح خطيرا، قررت عرضها على أخصائية نفسية وعندها فقط علمت أنني أنا وحدي الملامة فيما آلت إليه نفسية ابنتي من الميل إلى سلوكيات الذكور، وقالت لي الأخصائية إنها لم تجد في صغرها من يعزز ميولها كأنثى، فتذكرت أني كنت أقف صامتة وغير مبالية عندما أشاهدها تشترك مع إخوانها في ألعابهم الذكورية والتي عادة ما تختلف عن ألعاب الإناث، ولم أبالي عندما بلغت سن الرابعة وهي تتابع المواد التلفزيونية مع أشقائها وغالبا ما تكون مخصصة للذكور ككرة القدم وغيرها. تلك هي مأساة فاطمة التي تعبر بشكل واضح عن خطأ كبير يقع فيه الآباء والأمهات في تربية أولادهم دون أن يدرون حجم الإصابة البالغة التي يحدثونها في نفوسهم لتبقى معهم ما تبقى من عمرهم، لعدم حفاظهم على ما يسمى ب"خصوصية الجنس" لكل نوع من الأبناء على حدة، فتجد الأنثى نفسها محاصرة بجو ذكوري من كل اتجاه لا يراعي احتياجاتها الطفولية كفتاة، مما يدفعها للتأقلم والتكيف الذاتي لمواجهة عالم بلا إناث، ولا نعجب حين تجدها تهوى المصارعة وتحب كرة القدم، حتى تأتي الصدمة النفسية الحقيقية لها مع التطور العمري وبلوغها سن الدراسة لتجد عالما من البنات لم تعتده من قبل ولا تعرف شيئا عن كيفية التعامل معه، بل ويصبح عالم "الذكور" الذي لا تعرف غيره هو الممنوع والمحرم عليها، والعكس تماما يحدث أيضا في حالة الطفل الذكر الذي يتربى وسط أخواته البنات دون مراعاة من الوالدين لما يتطلبه نموه النفسي كذكر. وبالعودة لقصة "فاطمة"، يقول والدها: نشعر جميعا بالذنب الآن ونحاول جاهدين أن تنخرط ابنتنا مع قريناتها، وتابع نادما: بالفعل أخطأنا فلم نعاملها كأنثى ففاطمة الطفلة الأصغر بعد خمسة من الذكور، جاءت بعد أن اعتدنا على التعامل مع الذكور ولم نقدر الفرق رغم سعادتنا بها. وعلى العكس من مشكلة أم فاطمة من ابنتها تشعر أم فارس البالغ من العمر (10 أعوام) بألم شديد تجاه ابنها، وتروي حكايتها قائلة: فارس الابن الأوسط بين ست فتيات ولم يكن فارق العمر بينه وبين أختيه من تكبره ومن تصغره كبيرا، بل عدة أشهر فيبدو الثلاثة وكأنهم توائم، وهذا ما جعل فارس ينخرط معهما في اللعب والتعامل وتقليد التصرفات، مما جعله يميل إلى السلوكيات الأنثوية بفعل المحاكاة غير المراقبة من الأسرة. وتابعت: حاولت أن أعدل جاهدة من ذلك دون جدوى، وكيف لي ذلك وأنا من تجاهلت الأمر منذ البداية، وكنت اصطحبه مع شقيقاته إلى حفلات النجاح الخاصة بالبنات دونما أي وعي مني بخطورة ذلك، وأنهت حديثها قائلة: حتى المدرسة بات يكرهها لعدم وجود الفتيات فيها فهو لا يجيد اللعب إلا مع البنات وبالألعاب الخاصة بالبنات، أعلم أنه سلوك خاطئ منا وها نحن بدأنا نحصد الآن ما زرعناه، ونتحمل مسؤولية ما حدث لابننا في تغير في سلوكياته الطبيعية، ونسعى لإعادتها إلى مسارها الطبيعي كذكر من خلال تعديل ما لم نلتفت إليه، ولكن هل يستقيم الظل والعود أعوج. من جانبها، أكدت أخصائية علم النفس هلالة سالم المعبهل ل"الوطن"، على خطورة الدمج العشوائي في مثل الحالات السابقة دونما أية مراقبة من الأهل، وقالت: إن خصوصية الجنس سواء الذكر أو الأنثى من الأمور التي يجب أن تحظى بالرقابة المبكرة من قبل الأهل ولا سيما الأم، كونها الأقرب من الأبناء خاصة عندما تكون البنت الوحيدة بين أشقائها الذكور أو العكس. وتابعت المعبهل قائلة: المحاكاة والاندماج في تلك الحالات قد تؤثر سلبا على فقد الميول الطبيعية للجنس بالتدريج، ويترجم ذلك من خلال الابتعاد عن الألعاب والملابس المخصصة التي تميز الجنس، مشيرة إلى أن هذا السلوك إذا لم يتم تداركه وتعديله في وقت مبكر سيمتد إلى بقية مراحل النمو وهنا تكمن الخطورة فيؤثر ذلك سلبا في الحياة المستقبلية للطفل على الصعيدين الأسري والاجتماعي. وتدعو أخصائية التربية الأسرية مسفرة الغامدي، الأسر خاصة الآباء والأمهات ممن لا يجيدون التعامل مع جنس المولود كونه الجنس الوحيد في الأسرة إلى اللجوء للأخصائيين الأسريين في التربية، أو من خلال استسقاء المعلومات من الأسر الأخرى والأقارب. وتابعت: أيضا هناك العديد من الكتب العلمية حول الأمور الخاصة بالتربية الأسرية وعلم نفس النمو ومن خلالها تستطيع الأسر وبكل سهولة جمع البيانات والمعلومات، مؤكدة أن تربية الأطفال بالرغم من كونها مسؤولية صعبة إلا أن الأسر في أغلب الحالات تنجح فيها شريطة أن يعوا ويدركوا الاختلافات بين أطفالهم من الجنسين سواء كانت تلك الاختلافات سلوكية أم جسدية، وأضافت أن السهو عن تلك الاختلافات وتجاهلها وعدم مراقبتها ومن ثم تعديلها يعد ظلما من قبل الأسرة للأطفال وقد يتحملون تبعاته المضنية مستقبلا.