قدم الروائي يوسف المحيميد نفسه وهو يفارق الصورة النمطية التي يعطيها الكتاب عن أنفسهم باعتبارهم نخبة متعالية ومشككة في كل إنجاز ثقافي لا يخدمهم مباشرة. وقال مساء أول من أمس خلال تكريمه في إثنينية عبد المقصود خوجة: إذا كان ظهوري في وسائل الإعلام يقلق البعض، فأعتقد أنه جزء من واجبي أن أظهر في وسائل الإعلام في أوقات أنا أحددها حين يكون لدي إنجاز ما، أو تكريم، أو جائزة. وهناك أسئلة حولها، فلا بد أن أظهر أمام وسائل الإعلام. وتابع المحيميد: أما عن تسويق أعمالي فهذا الأمر لا يشغلني، لأن لدي مدير أعمال أميركيا يقوم بكل شيء، بدءا من عقود الترجمة وحتى تحصيل الحقوق، وكل ما أقوم به هو الرد على أسئلة الناشرين عبر البريد الإلكتروني، لذلك أعتقد أن كل مبدع يجب أن يكون لديه مدير أعمال يقوم بالنيابة عنه بعقد اتفاقيات النشر والتوزيع، أحيانا لا أعلم أني فزت بجائزة أو دعيت إلى حفل إلا من خلال مدير الأعمال، فأنا لا أنشغل بهذه الموضوعات. وإذا كان البعض يعتقد بأن لدي سطوة على المستوى العالمي لكنت سعيت إلى وقف المجازر في سورية قبل أي شيء آخر. وتابع المحيميد من خلال ورقته " شغف الكتابة وتدريب الحواس": في لحظات التكريم تنتابني رغبة شديدة بالتلويح إلى أجمل الساردات في العالم، تلك التي لديها قدرة مذهلة في السرد الشفهي تفوق أكثر الروائيين مهارة وحنكة، تسرد حكاية واحدة مئات المرات، كل مرة تسرها بطريقة جديدة، بمئات الأساليب، فمنها تعلّمت أن النهر يجري بمئات الصور المختلفة، فالموجة لا تشبه الموجة، ولا اللحظة تشبه اللحظات، لذلك علينا أن ندرك أن للحكاية وجوها كثيرة، وهي تختلف بين الساردين، بل تختلف لدى السارد نفسه حينما يرويها عدة مرات، كما كانت تفعل أمي يرحمها الله". كما تساءل: لماذا الكتابة أولاً؟ ولماذا الرواية تحديداً؟ ومن أي الحقول جئتُ؟ وهل لعبت الظروف دوراً في ذلك؟ سأذكر مواقف عابرة في الطفولة قد تشير، بشكل أو بآخر، أين كنت، وما كان سقف حلمي، وكيف تحولت؟ وأجاب عن هذه الأسئلة ساردا جزءا من سيرة طفولته، ذاكرا أنه حينما كان في العاشرة، قد قرأ الكثير من الروايات المترجمة، وسلسلة المكتبة الخضراء، موضحا: كانت أختي الكبرى تستعيرها من زميلتها، ونقوم معاً بنسخها ورسم لوحاتها، كي ننجز نسخاً مقلَّدة، نحتفظ بها، ونكوِّن مكتبة منزلية صغيرة، مليئة بالقصص المنسوخة المتواضعة الجودة. بعد ذلك كبر الحلم، وقررت أن أحوِّل هذه القصص المنسوخة إلى قصص متحركة، وذلك برسمها على ورق مقوَّى وتفريغها، ثم تعريض الفراغات إلى ضوء مصباح يدوي في ظلام الغرفة، فتظهر صور الشخصيات على جدار غرفة أمي، بعد أن أكون قد جهّزتُ مونتاجاً صوتياً، يتضمن الحوار والمؤثرات الصوتية، باختصار كنت أقدِّم لأمي ولأخواتي الثلاث فيلماً متواضعاً، فهل كنت آنذاك أحلم بأن أصبح مخرجاً سينمائياً؟ ربما، لكنني ذهبت إلى التشكيل، وتحوَّلت غرفتي الصغيرة في زاوية بيتنا في "عليشة" إلى محترف تفوح منه رائحة ألوان الزيت، إلى أن رضختُ ذات ظهيرة لرغبة أمي بأن أكفَّ عن رسم ذوات الأرواح.. كانت تتوسل بأن أرسم ما أريد، إلا وجوه البشر، وكنت لا أتقن سوى رسم "البوتريه"، ورسم ملامح وجوه الأطفال بدقة متناهية، فقررت أن أتوقف، لكنني لم أستطع أن أصمت طويلاً، فكيف إذن سأتقن التعبير، وبأي شكل فني؟.. هكذا ذهبت متلصصاً إلى التصوير الفوتوجرافي. وختم بقوله: أشكر حضوركم وإنصاتكم لثرثرة رجل لم يزل يتقافز فرحاً، كالطفل، حينما يكتشف سرَّاً صغيراً في الكتابة والإبداع.