البنك الدولي أحد الصروح الاقتصادية والتنموية التي يطمح للعمل بها واكتساب الخبرة منها العديد من الرجال والنساء، من ذوي الكفاءات العالية في جميع أنحاء العالم. الشباب والشابات السعوديون أيضا يطمحون كغيرهم للعمل في هذه المؤسسة العالمية، واكتساب خبرات مهنية واجتماعية متميزة يتوقون لنقلها لوطنهم بعد عودتهم. ليال مفاز كردي، إحدى تلك الكفاءات السعودية، والتي تعمل مستشارة في إدارة الموارد لقارة أفريقيا في البنك منذ عامين، حصلت على بكالوريوس في المال والاقتصاد من جامعة تامبا فلوريدا، وماجستير في التمويل المالي من جامعة جونز هابكنز.. "ليال" قصة طموح سعودية عنوانها التحدي..التقيناها لتقدم تجربتها في هذا الحوار. ما نوع عملك في البنك، وهل له علاقة بمجال دراستك؟ أعمل مستشارة في إدارة الموارد لقارة أفريقيا. ومجال عملي يقع في صميم تخصصي، وهو التمويل المالي والاقتصاد، إذ أقدم استشارات خاصة بالميزانية وتوزيعها، معتمدة على المعطيات البيانية في قواعد المعلومات، والتي أقوم بدراستها وتحليلها، وهي تتناول خمسة موضوعات تتصل بأفريقيا- تكنولوجيا المعلومات، والمكتب الأمامي، وإدارة المواصلات، والاتصال، والمفاوضات للموظفين. التدريب الطلابي قبل عملك في البنك، هل عملت في شركات ساعدت في تأهيلك؟ نعم، وبكل تأكيد أثناء دراستي الجامعية في مرحلة البكالوريوس يشجع الأساتذة الطلاب والطالبات على التدريب الطلابي أثناء الدراسة، ويسمى ذلك "الإنترنشيب"، ويساعد الطلاب على اكتساب خبرة عملية بجانب النظرية، تجعلهم مؤهلين لسوق العمل بعد التخرج. فمثلا أثناء دراستي عملت في مجال العقارات وقانون الشركات، ومن حسن الحظ أنني عملت أثناء الطفرة العقارية، وتعلمت كيفية تقييم أسعار المنازل المتهالكة، وكيف يتم تجديدها، وإعادة بيعها بمبالغ مربحة لأصحابها في وقت قصير. أيضا أثناء الدراسة عملت كطالبة متدربة في قسم المضاربات المالية بشركة الخدمات التمويلية العالمية "ميريل لينش"، وكانت تجربة عملية مثيرة، فقد كنت أنا وغيري من الطلاب والطالبات نقف ساعات طويلة نشاهد ونتفاعل مع مضاربات مالية حاسمة كانت تتم في ذلك الوقت أثناء الطفرة الاقتصادية. وأثناء عملي التدريبي عاصرت الانهيار الاقتصادي المروع الذي حدث في 2008، والذي أدى إلى شراء البنك الأميركي لشركة ميريل لينش. كان بعض العملاء الذين يتصلون بالشركة يجهشون بالبكاء، ومنهم من يكيل الشتائم، كانت مواقف في غاية الحزن والغرابة أن يتسنى لي كطالبة الوقوف عليها. أتذكر أن عميلا طاعنا في السن خسر 200 مليون دولار، وكان هذا كل ما استثمره طوال حياته في الشركة. وبعد انهيار الشركة تفرق العاملون، ومن ضمنهم رئيسي الذي قام بالعمل في شركة سيتي جروب - سميث بارني، وعرض علي العمل معه، وأنا ما زلت طالبة، وقبلت لاكتساب مزيد من الخبرة في شركة مالية عملاقة كهذه، وبقيت أعمل إلى أن تخرجت وحصلت على البكالوريوس في التمويل المالي والاقتصاد. بعد ذلك عرض علي رئيسي في شركة "سميث بارني" أن يوظفني بتأشيرة عمل. شكرت له تقديره لقدراتي وعملي، ولكنني كنت قد قررت إكمال دراستي للماجستير، وتحديدا الانتقال للعاصمة دي سي؛ لأكون قريبة من البنك الدولي الذي كان حلمي أن أعمل فيه دون معرفة أي تفاصيل عن مجالاته. 500 بريد إلكتروني الحصول على وظيفة في البنك الدولي ليس متاحا بسهولة، ما الخطوات التي اتبعتها؟ التحقت بجامعة جونز هابكنز، وحصلت على الماجستير في التمويل المالي، وأثناء دراستي كنت أفكر كيف يمكن لي أن ألتحق بالبنك، ولو عن طريق فرصة تدريبية، ومن ثم اطلعت على الفرص المتاحة للتدريب الطلابي في موقع البنك الإلكتروني، وقمت بالتقديم، وفي الوقت نفسه أخبرتني زميلة بأن هناك مكتبا سعوديا في البنك، لأن المملكة عضو في منظومته، والمكتب يدعم الطلاب والطالبات في الحصول على خبرات تدريبية في البنك.. بعثت رسالة إلكترونية للمكتب، وقدموا لي الكثير من النصح والتوجيه في كيفية الحصول على فرصة تدريبية بالبنك، وقمت بعد ذلك بإرسال سيرتي الذاتية إلى 500 بريد إلكتروني لأسماء عاملين في جميع أقسام البنك التي تناسب مجال تخصصي، وأخبرتهم فيها أنني أرغب في العمل من أجل الخبرة فقط، ومتنازلة عن العائد المادي، ومضت شهور طويلة إلى أن يئست، وقررت صرف النظر عن حلمي. وفي يوم كنت أقرأ بريدي الإلكتروني، ووجدت رسالة من قسم إدارة موارد أفريقيا يخبرني أن "رئيس القسم قرأ سيرتك الذاتية، ويعتقد أنك الشخص المناسب وتستطيعين البدء في العمل".. لم أصدق عيني، وكانت فرحتي عظيمة بهذه الفرصة التي كنت أحلم بها منذ قدومي للولايات المتحدة، ذهبت للبنك وتمت إجراءات التوظيف الروتينية، وكان عقدي لمدة شهرين فقط. عندما بدأت العمل كنت أتوقع أنه سيكون تحديا كبيرا. في البداية طلبوا مني أن أقرأ وأطلع على مهام البنك، مضى أسبوع وأنا أقرأ، لم يكلفني أحد بأي عمل في الشؤون المالية أو غيرها، وكنت أسأل ما وظيفتي هنا؟، فيقولون اقرئي فقط، وأحيانا كانت رئيستي تعطيني مهمات صغيرة جدا أنفذها في ساعات قليلة. بدأ الشك يساورني بأن رئيس القسم وظفني لمدة شهرين من أجل هدف إداري فقط وليس لشخصي، أو لخبرتي. كسر الصورة النمطية هل واجهتك مشكلات أو عقبات من داخل البنك الدولي كسعودية؟ الصعوبات التي واجهتني هي سني الصغيرة بالنسبة للقسم الذي أعمل فيه، وفي البداية كنت ألاحظ أن لديهم صورة نمطية عن السعوديين بأنهم ليسوا جادين في العمل لأن لديهم المال، لذلك كان علي أن أثبت ذاتي، وأبرهن على جديتي حتى أكسب الثقة. كان طموحي في القسم الذي أعمل فيه ليس أن أحقق نجاحا فقط كامرأة سعودية تعمل خارج وطنها، بل لأتنافس مع كل الجنسيات، وأن أحقق أعلى النجاحات بصفتي قادرة على العطاء والتنافس، وهذا ما حاولت إبرازه، وحتى أخالف الأحكام النمطية، أردت أن أكون الأفضل بين كل تلك الأجناس والأعراق. أرسلوا لي "طفلة" ما أطرف موقف مر بك خلال العمل؟ بعد مدة من العمل كتبت رسالة إلكترونية أخبر فيها رئيسي، بأن القسم في حالة إنتاجية سيئة، ويحتاج إلى إصلاح جذري، فطلب مني مقابلته لأول مرة، وصدم عندما قابلني، وقال لي "لقد اعتقدت أن من كتب الرسالة شخص في الخمسين، ولكن أرسلوا لي طفلة"، وخرج من غرفة الاجتماعات مستخفا بما اقترحته، ولكن عندما وقع في مشكلة كبيرة من رئيسه الأعلى بسبب نفس التحذيرات التي اقترحتها واستخف بها اتصل بي هاتفيا، وقال لي "يجب أن نعمل معا، وكان واجبا علي أن آخذ بنصيحتك"، واعترف أنه كان مخطئا بتجاهلي. تعملين هنا منذ عامين.. هل تفكرين في العودة للوطن؟ لقد اكتسبت خبرة في مجال تخصصي، ومن ناحية أخرى رؤسائي في العمل أبدوا رغبتهم في إعطائي ترقية، وتجديد عقدي لمدة تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات، واستطعت أن أحصل بعملي على ثقة رؤسائي، لكن الشعور بالمسؤولية تجاه وطني يقلقني، إذ إن الهدف من حصولي على بعثة وإكمال دراستي كان صقل مهاراتي، ليس للبقاء هنا وإفادة منظمة خارج وطني، فالقائمون على برنامج الابتعاث يتوقعون مني ومن زملائي المبتعثين نقل ما تعلمته إلى بلدي، وليس لآخر، وأنا سأعمل بحسب تلك التوقعات، وسأعود للوطن قريبا. كيف تربطين بين وظيفتك واستفادة الوطن منها؟ العمل في البنك الدولي أكسبني الكثير من المهارات، منها العمل مع أفراد من مختلف الجنسيات والأعراق على مستوى عال من الخبرة والإنتاج، فأنا لا أتنافس مع أشخاص من بلدي، أو من مكان واحد، بل مع أشخاص من أعلى الكفاءات من جميع أنحاء العالم.. قابلت أشخاصا متفانين في العمل، يعملون لساعات طويلة بجد منقطع النظير، مما حثني على أن أكون مثلهم أو أكثر، وأن أبذل أقصى طاقتي لأكون في نفس مستوى المسؤولية والإنتاجية، فمثلا كنت في السابق إذا كان العمل يمكن أن يؤجل أؤجله، أما الآن فأصبحت حريصة على إنهاء كل الأعمال المطلوبة، ولا أذهب إلى منزلي قبل إنهائها بكل تفاصيلها مهما كان الأمر، وهذه الخبرة لم تكن لتحصل لي لولا أني عملت في هذا المكان المتميز والمعروف بتنوعه في الثقافات والمهارات والخبرات كل هذا أتطلع إلى نقله إلى وطني .