أين تنتهي حريات الآخرين، وأين تبدأ مسؤولية أفراد "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؟. سؤال حاولت "الوطن" تلمس إجابة له لدى رجل الشارع العادي في المملكة، خصوصا أن الجدل الداخلي بشأن صلاحيات "الهيئة" ازداد مع السنوات الخمس الأخيرة، التي شهدت "انفتاحاً إصلاحياً"، بعد تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في أغسطس 2005، الأمر الذي شجع النقد "البناء" لأجهزة الدولة، بغية تطويرها والارتقاء بخدماتها. قانون مُنظم سؤال "حريات الأفراد"، و"صلاحيات الهيئة"، طرحته "الوطن" على المستشار القانوني الدكتور باسم عبدالله عالم، الذي أشار إلى أنه "ليس من حق الهيئة محاسبة الأخطاء الشخصية"، موضحا ذلك بقوله "قانونياً لا يحق لرجال الحسبة (الهيئة) معاقبة أي شخص، شعره طويل، مثلا. أو يلبس لبسا غريبا، هيئته لا تتماشى مع تقاليد البلد والأعراف، ما لم يلبس لبسا يظهر جسده بالكامل (مثل المايوه البحري)"، ويرى عالم أن هناك "حرية شخصية لا يحق للهيئة التعدي عليها"، معطيا شواهد على ذلك، بقوله "من القضايا المثيرة للجدل، التعدي من بعض رجال الحسبة، مثلاً، على رجل وامرأة منعزلين في سيارتهما! حيث لا يحق لهم سؤالهما عن هويتهما، أو من هي التي كانت معه، ما لم يكن هناك منظر فاضح، فالبينة على من ادعى". وهو الأمر الذي "يعد مخالفة قانونية صريحة، من قبل رجال الحسبة"، بحسب عالم. واجباتُ الهيئة ويثير الدكتور باسم عالم سؤالا، يراه مهما، وهو "لا يجب أن نسأل عن صلاحيات الهيئة، بل نسأل: ما هو واجبها تجاه المجتمع؟". سؤال عالم هذا، حاولنا في "الوطن"، حمله إلى المتحدث الرسمي باسمِ "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدكتور عبدالمحسن القفاري، للإجابة عليه، إلا أنه لم يتسنَ لنا ذلك، حيث حاولنا التواصل معه، إلا أن هاتفه المحمول كان مغلقاً، طيلة أيام اتصالنا!. ويشير الدكتور عالم إلى أنه "لا يحق محاسبة الشخص ما لم يخرق النظام العام، ويبلبل المجتمع، وإشكالية رجال الحسبة أنهم يخلطون ما بين الأعراف والتقاليد والدين، وهذا خلل كبير"، مبينا إن "المجاهرين بالمعصية، لا يعاقبون على المعصية، ولكن على المجاهرة فقط". الاحتكام للقضاء وجهة نظر عالم هذه، دفعت للقول بأن "رجال الحسبة وضعوا مسار الهيئة في خط معين من الآداب العامة كالذقن والموسيقى، وابتعدت عن مسارها وإطارها الصحيح. وفيما يحق للأفراد الذين تنتهك حقوقهم من قبل رجال الهيئة قال عالم: "يحق لهم قانونياً رفع دعوى قضائية على جهاز الهيئة" إلا أنه عاد ليؤكد: "أن بعض القضاة يتعاطون مع مثل هذه القضايا أيديولوجياً ويرفضونها لأنها تمس جهاز الهيئة، على الرغم من اكتمال الوقائع". الهيئة لا تحدُ الحريات عميد كلية "الشريعة" السابق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الدكتور سعود الفنيسان، الذي قدم بحثاً في مؤتمر "الحسبة وعناية المملكة العربية السعودية بها" الذي عقد، في أواخر مارس الماضي، قال في تصريح إلى "الوطن"، إن "من ينادي أو يعتقد بأن صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تتنافى مع الحرية الشخصية أو الحقوق الإنسانية، فهذا حديث شاذ ولا يمكن قبوله حتى في القوانين الإنسانية الغربية، فضلا عن الإسلامية"، مضيفا "ليس في شرعنا وقواعد الإسلام الكلية حرية مطلقة، إنما هي حرية مقيدة بأوامر الشرع الحنيف". الفنيسان، الذي قدم ورقة عمل بعنوان (العناية بالحسبة لدى أئمة آل سعود ومشايخ الدعوة في الدولتين الأولى والثانية)، يعتبر أن "الحسبة ركيزة حقوق الإنسان في المجتمع الإسلامي، وأن تشريع الحسبة أساسه المحافظة على حقوق الإنسان". مبالغة في الاتهام رغم محاولات "الوطن" الاتصال بقيادات جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمتحدثين الرسميين في بعض المناطق، إلا أنهم اعتذروا عن التعليق، دون إبداء أسباب تذكر، إلا أنه تجدر الإشارة إلى حوار صحفي سابق، نشرته مجلة الدعوة الإسلامية (الناطق الإعلامي باسم الهيئة) في أحد أعدادها، مع عميد المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جامعة أم القرى، الدكتور خالد الشمراني، اعتبر فيه القائلين ب"أن الهيئة تجاوزها الزمن، وأنها منافية لمتطلبات العولمة، ولا تتماشى مع الحرية الشخصية وحقوق الإنسان، هذا (أمرٌ) غير صحيح"، مضيفا "الحقيقة أن هناك تجنياً كبيراً من بعض الأقلام ووسائل الإعلام على الهيئة، ويدّعون ادعاءات يتضح بعد ذلك أنها كذب وافتراء، مثل حادثتي المدينة وتبوك، فهذه الآراء متحيزة، ففي هذه الآونة بالذات يتعاظم دور الهيئة فوسائل الإعلام والفضائيات والإنترنت، وثقافة العري والانحلال تفاجئنا يومياً بأمور تدمي القلب، ولا بد من مواجهة هذه المستجدات الغريبة، وأناشد المسؤولين بضرورة دعم جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكوادر والموارد المالية، وكافة الإمكانات التي تمكنه من أداء دوره الشرعي، على أكمل وجه". دراسة نوعية جديدة وقد أشارت دراسة جديدة غير منشورة، حصلت عليها "الوطن"، أعدها فريق بحثي، حملت عنوان "الصورة الإعلامية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآليات تحسينها"، هدفت إلى الكشف على نحو تفصيلي عن حقيقة الطرح الإعلامي السعودي بشأن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وذلك كسبيل كاشف أو كمدخل للتعرف على الكيفية التي تنظر بها النخبة الإعلامية في المملكة العربية السعودية وقادة الرأي للهيئة. وهو ما يمكن بالتالي بحسب الفريق البحثي من الوصول إلى الملامح الرئيسية للرأي العام السعودي، بشأن تلك الهيئة، عبر الكشف عن أحد أهم آليات تشكيل هذا الرأي العام. فالصحافة كانت ومازالت إحدى الآليات الرئيسية التي تساهم في تشكيل الرأي العام، كما تشكل مرآة تعكس ما يدور في المجتمع، من توجهات إزاء مؤسساته المختلفة. رصد للصحافة ورصدت الدراسة من خلال القيام بعملية تحليل علمي منهجي للمواد الصحفية المنشورة بالصحافة السعودية، توجهات مؤسساتها، وموقفها التفصيلي من الهيئة ككيان مؤسسي وكأفراد، وكممارسات منسوبة إلى الهيئة. وأخضعت الدراسة (10) صحف سعودية للتحليل، وبلغ إجمالي عدد المقالات التي تم تجميعها وتحليلها فيها (150) مقالا، وهي تشكل جميع المقالات التي تم الاستقرار على أنها تتناول هيئة الأمر بالمعروف بشكل مباشر، وتقع في إطار الفترة الزمنية للبحث. مبررات النقد وأظهرت بعض نتائج تحليل الدراسة أن "أكثر الدعاوى والمبررات التي يستخدمها الكتاب السعوديون كمبرر لانتقاد الهيئة، هي الدعاوى القائلة بأن عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكل اعتداء على الحريات الشخصية، وانتهاكا للخصوصية". حيث ورد هذا المبرر بنسبة 24.4٪، يليه في الترتيب الثاني وبنسبة مقاربة المبرر الذي يحمل انتقادا للهيئة بأنها كيان "ينصب عمله على العلاقة بين الرجل والمرأة، أكثر من أي شيء آخر"، وقد ورد هذا المبرر بنسبة وصلت إلى 21.9٪. بعد ذلك استخدم الكتاب المبرر القائل بأن "الإسلام يكره فكرة التشهير بالناس، وأنه كدين يدعو إلى ستر عوراتهم، وهو ما لا تفعله هيئة الأمر بالمعروف"، من وجهة نظر هؤلاء الكتاب، وقد ورد هذا المبرر بنسبة 17.1٪. ومن ثم استند الكتاب السعوديون في الدعوة لإلغاء عمل الهيئة، إلى المبرر القائل بأن "المجتمع السعودي لم يصل بعد إلى درجة الانحلال التي تستلزم وجود الهيئة، وقد ورد هذا المبرر بنسبة 7.3٪. كذلك هناك الاستناد إلى المبرر القائل، بأن "وجود هيئة الأمر بالمعروف ينطلق من فكرة مثالية وغير واقعية، تفترض أن المجتمع بكامله صالح ولا مجال فيه للاختلاف، وذلك بنسبة 9.7٪". أيضاً أشار عدد متفرق من الكتاب إلى مجموعة من الدعاوى والمبررات الأخرى التي ساقوها لانتقاد هيئة الأمر بالمعروف، من هذه الدعاوى والمبررات ما يلي: • إن وجود الهيئة يعطى انطباعا بأن المجتمع السعودي منحل تماماً. • إن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقتصر على جهاز بعينه، وإنما هو واجب على كل مسلم. • إن وجود هيئة الأمر بالمعروف يعوق تفعيل مشاريع الدولة الإصلاحية والفكرية، داخل الوطن السعودي. • أسلوب عمل الهيئة أثناء التوقيف والتفتيش يتسبب في انتهاك الخصوصية، والاعتداء على المنازل وانتهاك حرماتها. • إن أداء الهيئة يرتبط بالتسلط وممارسة الأساليب البوليسية. • إن وجود هيئة الأمر بالمعروف لا يتفق مع فكرة الدولة المدنية. • عدم إمكانية الاعتماد على أفراد لمراقبة الفضيلة. اتهام للصحف وفي سياق متصل، أصدرت "غيناء" للنشر، كتاباً يدور حول الموضوع المثار، المتعلق ب"جدل الصلاحيات لجهاز الهيئة"، حمل عنوان "الصحافة والهيئة حقائق ومراجعات"، للكاتب محمد بن عواد الأحمدي. الكتاب، الذي يقع في 114 صفحة، ويمثل خلاصة 3 سنوات من العمل والجهد كما يقول الكاتب استطاع رصد ما ينشر حول الهيئة في أغلبية الصحف المحلية، وركز الكاتب في محتواه على الأخبار السلبية التي تنشر بحق الهيئة، وذلك من خلال عرض عدة نماذج تثبت عدم "موضوعية الصحف في نشرها للأخبار"، إضافة إلى "نشر أخبار لم تثبت صحتها، ولم تبن على معلومات صحيحة وموثوقة، بل هي عبارة عن توقعات وتكهنات شخصية".