استعد الأعرابي الشيخ للضغط على فأرة حاسوبه، ودرب أصابعه على لوحة المفاتيح من أجل إرسال رسائل إلكترونية عفا عليها الزمن وشرب، يدعي أنه من أنصار المرأة! استغل كل أنواع التكنولوجيا الحديثة وهو يلعن صانعيها ويدعو عليهم بالويل والثبور ليل نهار، ومعاونوه يمدونه بأحدث الشتائم ليقرأها على المنبر بصوت صارخ، تكاد عروقه تتفتق، ويخشى عليه أن يموت شهيد الشتائم المباحة،أعد ملفات وأشرطة كلها نصائح وتقريع للمرأة، ثم بدأ بالإرسال، ياللهول عندما نكتشف أن جميع الرسائل مثالية ملائكية، لنرى ماذا تقول رسائله: سئل أعرابي عن النساء وكان ذا هم بهن وقال أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، والتي إذا غضبت حلمت، وإذا صنعت جودت.. تطيع زوجها وتلزم بيتها، عزيزة في قومها.. ذليلة في نفسها.. الودود الولود، والتي أمرها محمود.. حقا أعجبت بهذه الكلمات الرائعة وجدتي أيضا، وهذه هي آفة بعض الرجال الأزلية عصفور باليد، وعيونهم على العشرة التي فوق الشجرة! فها هم بعض الرجال يتمناها جارية، وسيدة، وأمة، وذكية، ودود.. ولود.. صبورة صادقة! ونحن (حواء) وكما قيل خلقنا من ضلع أعوج، فكيف يطالب (آدم) بهذه الصفات الكاملة؟ يبدو أن هذا الشيخ يخلد إلى النوم والرقاد فيرى ما يرى النائم من الخيالات والأماني، وطبيعي أن يختلف الواقع عن الحلم الجميل وأجمل الأحلام التي لا تتحقق!! هذا الشيخ مثله كمثل راع نام تحت ظل شجرة، وترك شياهه وإبله تأكل من نبات الأرض ترعى هنا وهناك ومن كثرة قيلولته المتكررة رحلت بعيدا عنه، وكلما نام تحت شجرته العارية من الأوراق ازداد حلمه جمالا ورونقا. في المرة الأولى رآها شهرزاد زمانه، وفي القيلولة الثانية رآها سمينة وعريضة..! ما أجمل الأحلام السعيدة عندما تمر مرور الكرام حتى لو تكررت عشرات المرات. ذكرت لي عمتي.. فلانة من الناس مثال المرأة الودود الولود إذا حضر زوجها حاصرت أطفالها في غرفة وأغلقت عليهم الباب حيث لا يراهم صباحا ولا مساء، المهم إرضاء الزوج المصون، ولا تريد أن يرهق نفسه بهم، وإذا خرجت لزيارة قصيرة لإحدى صديقاتها جرتهم معها كحقيبتها السفرية، قلت لعمتي ألا تعتقدين أن هذه المطالب انقرضت من العصور الوسطى والشيخ يطالب بصفات مناسبة لتلك العصور! يبدو أن المرسل يغوص في بحر الأمنيات السعيدة. ترك أمسه وغده وانشغل بساعته الحجرية، ينظر لها قريبا من فتحة عينه الرمداء، وقد اختار شجرة قريبة من شجرة ذلك الراعي ليحلم ويحلم ثم يرسل! رجعت لجوالي وفتحت الرسالة ثانية ووضعت خيارات فظهرت (إعادة إرسال، مسح، بحث، تفاصيل الرسالة) واخترت مسح وضغطت ضغطة طويلة، وإلى حين وجود الرجل المثالي للمرأة المثالية.