توقع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن يكون هناك تحرك دولي قوي تجاه الأزمة السورية خلال النصف الأول من هذا العام، إذا استمرت الأزمة في نفس وتيرتها الحالية من العنف والقسوة، على حد تعبيره. وحمَّل زيباري في حوار مطول مع "الوطن" قبيل مغادرته الرياض إثر مشاركته في وفد بلاده بالقمة العربية التنموية، نظام بشار الأسد مسؤولية ما يجري على الأرض من تصاعد عمليات العنف. وقال إن بلاده لا تخشى من رحيل الأسد ولكنها تخشى من البديل. وفيما سقط 4 قتلى من المتظاهرين في العراق أمس على يد الجيش، أكد زيباري في تعليقه على تصاعد الاحتجاجات ضد سياسات نوري المالكي بأن المطالب التي ساقها المتظاهرون "حقيقية". وقال إن هناك سعيا جادا لتحقيق المطالب. واستبعد عودة البعث لحكم العراق، معتبراً أنه شعار "غير عملي"، وكشف أن 70% من قيادات الجيش العراقي الحالي من النظام السابق. وأعرب زيباري عن حرص بلاده على عودة العلاقات مع المملكة إلى سابق عهدها، مؤكداً أن هناك 4 ملفات بإمكانها أن تعيد بناء الثقة بين البلدين، ملقياً باللوم على وسائل الإعلام في توتير العلاقة بين الرياض وبغداد، ونأى ببلاده عن أي تصريحات مسيئة إلى المملكة قد ينشرها الإعلام العراقي. وفي ما يلي تفاصيل الحوار: ما هو تقييمكم لمستوى العلاقات السعودية العراقية في ظل ما شهدته خلال الأشهر الماضية من اتصالات على مستوى هام من مسؤولي الجانبين؟ نحن في العراق حريصون كل الحرص على أن تكون علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية على أفضل ما تكون، وهي كانت كذلك تاريخياً، لذلك خلال مشاركتنا في القمة التنموية الثالثة أجرينا سلسلة من المقابلات مع الإخوة المسؤولين في المملكة، وجرى لقاء لنائب رئيس الجمهورية مع سمو ولي العهد السعودي، كما التقينا كذلك وزيري الخارجية والداخلية، وبحثنا العلاقات بين البلدين بشكلٍ شفافٍ وواضح، وباعتقادنا أن هذا الجفاء والبرود ليس من مصلحة الطرفين، والعراق يمد يده للمملكة، ويقدِّر دورها ودور خادم الحرمين الشريفين العربي والإقليمي والعالمي. كما أن مكانة المملكة كبيرة ومحل تقدير لكل مكونات الشعب العراقي، وقلنا إنه لا بد أن ننتقل إلى مرحلة أخرى. صحيح أن ظروف المنطقة كلها صعبة، وكل الدول العربية الشقيقة تمر بظروف عصيبة، والشاهد على ذلك ما يجري في سورية، والعراق لديه كذلك تحديات أمنية وسياسية، وأوضاعنا لم تصل إلى مرحلة ما ننشده من استقرار. هذه الظروف تتطلب التواصل والتفاهم والتشاور، هناك الكثير من المشتركات بيننا، سواء فيما يتصل بالتشاور السياسي والتنسيق حول القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية. تصورات خاطئة متى تتوقع أن يحدث هذا الانفراج في العلاقات السعودية العراقية؟ إجابة هذا السؤال عند الأشقاء في المملكة. نحن حاضرون ومستعدون، طرحنا بعض المسائل المحدَّدة على الإخوة في المملكة خلال اللقاءات معهم، وأكدنا أنه لا بد بعد كل هذا التباعد أن يكون تركيز على بناء عناصر الثقة بين الطرفين. هناك تصورات خاطئة من الجانبين، بسبب قلة التواصل والقطيعة الماضية. المملكة مشكورة سمت سفيراً غير مقيم في العراق، ولكنا نريد أن يكون هذا السفير مقيماً، وأن يكون للمملكة تواجد في بغداد. ولكن الواقع يقول إن الوضع على الأرض لا يزال غير مستقر، بدليل التفجيرات الإرهابية التي لا تزال تجري، ويمكن أن تكون الدبلوماسية السعودية مستهدفة في بلدكم؟ أبداً. مع أننا نعيش منذ سنوات في موجات متلاحقة من الهجمات الإرهابية، لكنها لا تستطيع أن تستهدف السفارات والمراكز الحيوية، معظمها في الأسواق الشعبية والشوارع والناس الأبرياء. وهناك احتياطات وإجراءات أمنية كبيرة على المنطقة الدبلوماسية. خلال آخر سنتين لم تستهدف أي بعثة أو سفارة أو دبلوماسي. ولدينا أكثر من 75 بعثة دبلوماسية معظمها من الدول العربية، هذا موضوع. الموضوع الآخر الذي ناقشناه مع المسؤولين السعوديين أن الإعلام يسيء جداً للعلاقات بين البلدين. لدينا أكثر من 50 فضائية، و20 إلى 30 صحيفة يومية على مستوى حزبي وشخصي وطائفي، فليس كل ما ينشر في الإعلام العراقي يعكس رأي الحكومة أو الدولة. أثر الإعلام حتى وإن كانت التصريحات صادرة عن سياسيين عراقيين؟ هناك سياسي يصرِّح ويتحدث، ولكنه لا يعبِّر عن سياسة الحكومة، نواب البرلمان الذين ينتمون إلى كتل مشاركة في الحكومة، لا تمثِّل آراؤهم الحكومة. هذه التصريحات تسيء إلى العلاقات، وصعب جداً أن نقنع الدول الشقيقة بذلك. لذا نحاول دائماً أن نوجِّه وننصح الإعلاميين بتجنب الحديث عن العلاقات الثنائية. الموضوع الآخر الذي تباحثنا فيه مع المسؤولين هو موضوع الموقوفين والمعتقلين في البلدين. هناك أرضية لتبادل هؤلاء من خلال الاتفاقية التي تم توقيعها ولا تزال منظورة أمام البرلمان العراقي. الموضوع الأخير الذي ناقشناه هو المنافذ الحدودية، وتحديداً منفذ عرعر، هناك حركة تبادل تجارية كبيرة، وبدلا من أن تذهب البضائع مباشرة من السعودية تذهب عن طريق الكويت والأردن مما يتسبب في زيادة التكلفة. مواقف ثابتة هل تعتقد أن وجود نوري المالكي على رأس الحكومة هو السبب في توتر العلاقات بين البلدين؟ العلاقات السعودية العراقية لا يمكن أن تختزل في شخص أو مسؤول أو حكومة، أو حتى نظام. هذه العلاقات وثيقة وعميقة بين الشعبين. أيا كان النظام أو المسؤول سيتغير بسبب طبيعة حكمنا ونظامنا، حتى إذا كانت هناك إشكالات يجب ألا نتوقف عندها كثيراً. المصالح الاقتصادية المشتركة هي شريان العلاقة. كما أن بيننا وبين المملكة مشترك كبير وهو أن البلدين عضوان في منظمة مهمة مثل "الأوبك"، كذلك نحن نشترك في ضرورة حفظ أمن الخليج العربي. ألا تخشى أن يثير وصفك للخليج بالعربي غضب إيران؟ على الإطلاق. فعندما نتبنى موقفاً لا نخشى أن تغضب إيران أو غيرها. هذه مبادئ ونحن لا نتأثر بردود الأفعال. نحن لا ننتظر من الآخرين أن يزكوا كلامنا. في مسألة الجزر الإماراتية وقفنا مع الإمارات مع أن لدينا علاقات مع إيران. وكذلك في البحرين صدرت تصريحات من العراق تؤكد على سيادة واستقلال البحرين. هناك قصور في الفهم والتصورات لمثل هذه الأمور. قلت في لقاء سابق إن العراق هو الذي بدأ الربيع العربي. هل ما تشهده بعض المحافظات الآن من تصاعد احتجاجات ضد سياسات المالكي قد ينبئ بربيع ثان؟ إسقاط نظام صدام حسين كان بداية لانطلاقة الربيع العربي في تقديري، ومستعد شخصياً لمناقشة هذا الموضوع سياسياً وفكرياً مع كل الفعاليات. صحيح أن الربيع العربي تأخر ولكن ذلك بسبب بعض العوائق، ولكن البداية كانت من العراق بكل تأكيد. لماذا لم تستجب الحكومة لمطالب المحتجين؟ للمحتجين مطالب حقيقية، وطالما قدمت بصورة سلمية فليست هناك إشكالية. هل ساءكم كحكومة رفع بعض المتظاهرين لشعارات تنادي بعودة البعث؟ هذه المطالب طرحها كثيرون وطالبوا بها، ولكن هذا الأمر من الصعب تحقيقه، لأنها شعارات غير عملية وغير واقعية. أما إذا قلت إن هناك بعثيين في الجيش أو الدولة فأقول إن 70% من قيادات الجيش العراقي الحاليين من القيادات السابقة. أكثر من نصف أو ثلاثة أرباع كوادر الدولة من النظام السابق. العراق حاليا يعيش أزمات سياسية ولدينا مشاكل بين السلطات والرئاسات بين الحكومة والبرلمان. لا أريد أن أقفز على هذه الأمور، ولكنها لم تصل إلى درجة التصدع وانهيار النظام. هناك إخفاقات نعم في العملية السياسية ولكن هناك محاولات لعلاجها. الموقف من الأسد هناك تباين في وجهات النظر بين السياسيين العراقيين في ما يتعلق بالأزمة السورية، فهناك حالة اصطفاف واضحة من أطراف خلف نظام الأسد، وهناك أطراف ترى أن الرئيس فقد شرعيته، نريد أن نعرف حقيقة الموقف العراقي من الأزمة في ظل هذا التباين الواضح؟ العراق من أكثر البلدان التي ستتأثر مباشرة بتطورات الأزمة ونتائجها. لذلك ينطلق من مصالحه الوطنية للنظر إلى الأزمة. نحن من أوائل الداعين إلى حل سياسي وتلبية مطالب المعارضة، وضرورة قيام النظام السوري بإصلاحات حقيقية، وحاولنا ونقلنا رسائل عديدة إلى النظام ولكنه لم يستفد منها ولم يبال بها. ما يعانيه الشعب اليوم أسوأ بكثير مما ينشر ويذاع، والنظام هو من يتحمل مسؤولية كل ما يجري، نحن حاولنا المحافظة على موقف مستقر ومتوازن فلم نكن مع الغرب ولا مع إيران، وتواصلنا مع الطرفين. نحن لا نخشى من انتقال العملية السياسية في سورية، ولكننا نخشى من البديل. طالما أنه ليست هناك عملية سياسية منضبطة وليس لها راع. الظروف الدولية والإقليمية غير مهيأة لتحقيق تغير. الأزمة السورية وصلت إلى طريق مسدود. ما هو الحل من وجهة نظرك؟ الحلول صعبة. الحل العسكري الذي اعتمدته المعارضة بعد أكثر من سنة ونصف من المقاومة لم يحقِّق شيئاً. صحيح أنها مسيطرة على الريف وعلى مناطق واسعة ولكن لم تستطع أن تسيطر على مدينة. الحل الذي أيدناه هو حل سياسي ولكن يظهر لي أنه بعيد المنال. فميزان القوى الحالي لا تستطيع معه المعارضة أو النظام الحسم. أصبحت حرب استنزاف مهلكة لكل الأطراف المشاركة. المصيبة أن المواطن السوري هو الذي يدفع الثمن. هي معركة استنزاف قوى وطاقات وإمكانيات. والكل ينتظر من يسقط أولا مالياً ومعنوياً وعسكرياً. هذا يعني أن السقوط حتمي لكلا الطرفين؟ الوضع الحالي لا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه سابقاً، فهذا مستحيل. كذلك فإن المعارضة المسلحة بإمكاناتها الحالية لا تستطيع أن تحسم المعركة. ولا تستطيع إدارة البلد بعد الأسد؟ هذا موضوع آخر. هل النظام مستعد للقبول بعملية انتقال سياسي؟ آخر خطاب للرئيس بشار الأسد رفض ذلك عملياً. فالكل في أزمة للبحث عن الحل والعواطف شيء والواقع شيء آخر. الرئيس الأميركي باراك أوباما كان تصالحياً في خطابه. ولكن إذا استمرت الأزمة بهذا العنف والقسوة فقد يحصل تحرك دولي أقوى في النصف الأول من هذا العام. ..والمالكي يتصدى لمعارضيه بنيران الجيش مصرع 4 متظاهرين في الأنبار ومظاهرات حاشدة تعم المدن
بغداد: الوكالات اتخذت المظاهرات التي تشهدها عدد من المدن العراقية احتجاجا على سياسة رئيس الوزراء نوري المالكي وتهميشه للمواطنين السنة، بعدا خطيرا بعد أن بدأت قوات الجيش في توجيه نيران أسلحتها للمحتجين العزل. ففي مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار لقي 4 متظاهرين مصرعهم وأصيب 19 آخرون بجروح في اشتباكات مع قوات الجيش، خلال تظاهرة مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وفقا لمصادر أمنية وطبية. وقال مصدر أمني إن "الاشتباكات وقعت إثر قيام قوات الجيش بمنع متظاهرين من الوصول إلى موقع للتجمع عند المدخل الشرقي للمدينة، وعلى إثرها قام بعض المتظاهرين بإلقاء قوارير المياه على الجنود، الذين ردوا بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي، مما أدى إلى وقوع القتلى والجرحى". وكان متظاهرون قد نظموا أمس مظاهرات حاشدة في عدة مدن عراقية تحت شعار "لا تراجع". وفي مدينة الموصل أطلقت الشرطة أول من أمس الرصاص لتفريق متظاهرين في ساحة الأحرار. وقال محافظ نينوى أثيل النجيفي، إن قوات الأمن أطلقت الرصاص في الهواء وبكثافة في محاولة لتفريق آلاف المتظاهرين في ساحة الأحرار بالموصل، مركز المحافظة. كما تظاهر عشرات الآلاف أثناء مشاركتهم في احتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف بمدن الرمادي وسامراء. ووقع تدافع واحتكاك بين متظاهرين وعناصر من الشرطة الاتحادية، بعد محاولة الأخيرة منع عدد من المتظاهرين الصعود إلى بناية تطل على ساحة الأحرار. كما تظاهر عدد من العراقيين أمام مجلس محافظة نينوى احتجاجا على عدم استجابة الحكومة والبرلمان لمطالب المتظاهرين. وفي الرمادي توافد عشرات آلاف العراقيين إلى ساحة الكرامة في المدينة للمشاركة في احتفال ينظمه المعتصمون بمناسبة مولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وبالأمس أقام المعتصمون صلاة جمعة موحدة، جمعت بين السنة والشيعة، وتظاهر بعدها المصلون مردِّدين هتافات مناوئة للحكومة ومطالبة باستقالة المالكي. كما رفضوا التفرقة بين أبناء الشعب الواحد لدواعي مذهبية. وفي ساحة الحق بمدينة سامراء تظاهر عشرات الآلاف من العراقيين، عقب مشاركتهم في احتفال المولد النبوي. وأكدوا أنه لا تراجع عن مطالبهم التي وصفوها بالعادلة، وحث المتحدثون المالكي على اغتنام الفرصة، وتوجيه رسالة إيجابية للمعتصمين بإطلاق سراح جميع المعتقلات والمعتقلين. وشدد خطباء آخرون في الاحتفال على أن مطالب سامراء هي مطالب العراقيين في المدن والمحافظات الأخرى، وأن لا مساومة أو تفاوض عليها. في سياق أمني قتل 3 من عناصر الشرطة العراقية، وأصيب 3 مدنيين بجروح إثر حادثين أمنيين منفصلين في بغداد وديالى. وأوضح مصدر أمني أن عناصر الشرطة لقوا مصرعهم بهجوم شنه مسلحون مجهولون على دوريتهم في حي الداوودي بمنطقة المنصور بغرب بغداد. بينما أصيب المدنيون بجروح بانفجار عبوة ناسفة قرب منزلهم بقرية "حنبس" شمال شرق بعقوبة.