تعرض 12 متحفا من أصل 38 متحفا سوريا، لأضرار جسيمة نتيجة للقصف والسرقة والتخريب، فيما نشطت عصابات الآثار في حفرياتها وتهريب جزء كبير مما تحصل عليه خارج البلاد. وتمكنت جمعية حماية الآثار السورية من رصد كثير من الخروقات في سبيل الحد من فقدان جزء من تاريخ تعود تبعيته للإنسانية جمعاء، إضافة لجهود الإنتربول الدولي في ملاحقة جامعي الآثار، خوفا من تكرار التجربة المرة التي تعرضت لها الآثار العراقية خلال فترة الحرب التي شهدتها في وقت سابق. وأوضح مدير الجمعية الدكتور شيخموس علي، الذي يتخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرا، أن الآثار السورية تأذت كثيرا خلال الأزمة الراهنة إذ شهد 12 متحفا أضرارا مختلفة شملت حالات القصف والسرقة والتكسير. وأشار في حديث إلى "الوطن" أن قراءات الوضع الحالي تفيد بأن المتاحف المتواجدة على خط النار بين الطرفين، مثل متحف دير الزور وحمص ستصل إلى مستوى مشابه لما شهده العراق، حيث إن اللقى الأثرية في متحف حمص ملقاة على الأرض، كما فتحت كور وفجوات في الجدران نتيجة القصف الكثيف، وتكسر قسم كبير من الآثار. الضحية الثانية وتحدث علي عن نشاط متزايد لعصابات الآثار التي لا تتورع في نهب الآثار وحرق الكثير من المقتنيات الأثرية. وأشار إلى أنه في ظل غياب الأمن فإن الحفريات العشوائية ازدادت، وتنامى عمل لصوص الآثار، مؤكدا أنه في الصراعات تكون الآثار هي الضحية الأولى بعد البشر، والمشكلة أنها تمثل تاريخا مسجلا للبلد والحضارات التي مرت على أراضيه. أما فيما يختص بتهريب الآثار لخارج البلاد، أكد أن التهريب موجود في سورية كمثل البلدان الأخرى حول العالم قبل 2011، ولكن بعد هذا التاريخ وفي ظل غياب الأمن ازدادت الحفريات العشوائية للعصابات التي تمتهن سرقة الآثار وتهريبها. وأضاف أن الجمعية رصدت حفريات بمنطقة ماري على الفرات بالقرب من البوكمال، وموقع مملكة إيبلا في محافظة إدلب، إضافة للمدن الميتة في إدلب، كما أنه توجد بيوت بعثات أثرية تمت سرقة أدواتها. وحول نشأة الجمعية، لفت إلى أنها تأسست كمبادرة تطوعية من قبل صحفيين وآثاريين سوريين وأجانب ونشطاء في الداخل، وهي غير ربحية. وتهدف لتوثيق الخروقات التي تطال الآثار، بغرض لفت الانتباه العالمي في هذا الاتجاه، حيث إن هذا المخزون التراثي ثروة للإنسانية جمعاء وليس لسورية أو لمدينة ومنطقة. كما تحاول تأمين وسائل مناسبة لتجنب تكرار سيناريو كارثة الآثار العراقية على الأراضي السورية. إنتربول وأشار إلى أن ناشطي الداخل يوثقون ويرصدون الاختراقات ويصورونها، ويتحملون مهمة إيصال المعلومات، فعند حصول حفريات في منطقة ما أو قصف لمكان أثري، أو عند تحول منطقة ما لثكنة عسكرية، ينقلون الحدث عبر صور وفيديوهات. وتكون مسؤولية إدارة الجمعية التأكد من التوثيق الصحيح للأحداث، ونشر الصور وتنسيقها، وإعداد التقارير الدورية. وأوضح أن هناك هيئات دولية تحمي الآثار، ومن ضمنها الإنتربول الدولي، الذي يلاحق عصابات الآثار، لافتا إلى أن علماء الآثار يستطيعون تحديد منشأ الآثار، من خلال السمات العامة للقطعة الأثرية. عصابات دولية لكن المسألة الأهم والأخطر هي الآثار المهربة، التي تباع لجامعي الآثار الذين يحتفظون بها ضمن مقتنياتهم الشخصية، وبالتالي تكون العملية بيعا مباشرا، أو أن تقوم عصابات دولية بسرقة الآثار كما حصل في الحالة العراقية، حيث إن قسما منها يتواجد الآن بإسرائيل. كما أن هناك خطر فقدان بعض المقتنيات الورقية، فقد أحرقت كل الوثائق الإسلامية الهامة الموجودة في أحد المتاحف العراقية، ولم يتم ترك أي قطعة منها. وأضاف علي أن المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية، أصدرت تقارير مقتضبة عن نقل العديد من الآثار والوثائق، لكن لم يتم ذكر ظروف الحفظ، لافتا إلى أن المواد المصنوعة من الجلد أو الورق كالمنسوجات والورقيات والجلود، تلزمها شروط حفظ معينة من حرارة وإضاءة رطوبة، وإذا لم تحفظ بطرق مناسبة قد تتعرض للتلف كليا، فعلى سبيل المثال تتلف درجات الرطوبة العالية الوثائق الورقية، فبعض القطع أو الكتب تتأذى لقدمها وتكون معرضة للتلف بشكل كبير. وكشف تقرير لجمعية حماية الآثار السورية تعرض 12 متحفا سوريا لأضرار مختلفة شملت في أغلب الأحيان حالات القصف والسرقة والتكسير، متهما السلطات الأثرية السورية والمنظمات الدولية المعنية بالتقاعس في حماية إرث حضاري يعود لعصور الأجداد القدماء. خط تماس وأوضحت الجمعية أن متحف حمص الأثري تعرض لعدد من الانتهاكات، نتيجة النزاع المسلح المستمر في حمص، خاصة أن المتحف يشكل خط تماس بين قوات "الجيش الحر" وجيش النظام السوري". وأضافت أن متحف التقاليد الشعبية، الذي يعد ثاني متحف في حمص، تعرض القسم الأكبر من القطع المعروضة فيه للتلف والكسر، مضيفة أن متحف حماه الأثري ومتحف أفاميا شهدا سرقة تماثيل، وقطعة حجرية رخامية أثرية. وفي إدلب التي تشهد حربا عسكرية ومعارك طاحنة، لم تتضح الصورة حول متحف إدلب الأثري، فيما تعرض متحف معرة النعمان الذي يضم أكبر مجموعة للموزاييك في الشرق الأوسط لخطر التدمير نتيجة القصف المتكرر على المدينة. كما تعرض متحف حلب الوطني لأضرار مادية، تمثلت بسقوط السقف المستعار، وتكسر النوافذ الزجاجية، نتيجة الانفجار الذي حدث في ساحة سعد الله الجابري في أكتوبر الماضي، وتضرر متحف الطب والعلوم ومتحف التقاليد الشعبية نتيجة المعارك الدائرة في محيطه. ولفتت الجمعية الى أن المعلومات الواردة إليها تؤكد أن متحف الرقة الأثري لم يصب بأي أذى وتعديات حتى الآن، ولكن نظرا للأحداث والمعارك التي تدور في المحافظة، فإنه مهدد بالنهب والتخريب إن لم تتخذ وسائل الحماية اللازمة، إضافة إلى أن متحف التقاليد الشعبية مهدد بأخطار مشابهة. وأضافت أن مواقع إلكترونية نشرت خبرا عن تعرض متحف قلعة جعبر في الرقة للسرقة، حيث نهب منه 17 قطعة أثرية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد اكتشفت خلال حملات الإنقاذ لموقعي إيمار وتل السلنكحية قبل بناء سد الفرات عام 1973، بينما ذكر تقرير المديرية العامة للآثار المقتضب بأن 17 قطعة سرقت من المدفن الأثري في قلعة جعبر. أما دير الزور، فيشير التقرير إلى أن تعرض متحف دير الزور الأثري لبعض الأضرار المادية نتيجة الضغط الذي سببه تفجير وقع في كنيسة تبعد 500 متر عن المتحف، لافتا إلى أن متحف التقاليد الشعبية في دير الزور، تعرض إلى أضرار كبيرة، حيث تم تدمير بوابته الرئيسية وخزائن العرض وسرقة بعض الأدوات التي كانت تحتويه وكسر بعض التماثيل الحديثة، كما تعرض متحف موقع دورا أروبوس لأضرار وسرقات. وناشدت الجمعية كل السوريين بضرورة تشكيل لجان من وجهاء كل مدينة، والتنسيق مع السطات الأثرية من أجل العمل على تأمين وسائل الحماية اللازمة للمتاحف، متهمة السلطات الأثرية الحكومية السورية ممثلة بوزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف، بالتقاعس عن القيام بواجباتها المتمثلة بتأمين كافة وسائل الحماية اللازمة لضمان أمن المتاحف، كما اتهمت المؤسسات الدولية المعنية (مثل اليونسكو – الأيكروم – الأيكوموس - الدرع الأزرق – اتحاد الآثاريين العرب) بأنها تقاعست عن القيام بواجباتها في ممارسة الضغوط اللازمة على طرفي النزاع، لمنع تحويل المواقع الأثرية والأوابد مثل مساجد وكنائس وقلاع ومتاحف، إلى ثكنات عسكرية ومراكز للقناصة لأي طرف كان، لأنها بذلك تتحول إلى ساحات معارك بين طرفي النزاع. بيانات خجولة وأشارت الجمعية في تقريرها إلى أن "واجب هذه المؤسسات يقتضي بضرورة حماية الآثار والتراث، لكن للأسف يبدو دورها الحالي لا يتعدى حتى الآن، دور المراقب الذي يقوم بإصدار بعض البيانات الخجولة التي تندد بالنهب والتخريب التي يتعرض لها الإرث الحضاري السوري". وناشدت الجمعية أبناء الشعب السوري كافة، من مدنيين وعسكريين ب"ضرورة تشكيل لجان من وجهاء كل مدينة، والتنسيق مع السطات الأثرية من أجل العمل على تأمين وسائل الحماية اللازمة للمتاحف، كما هو الحال في مدينة معرة النعمان، حيث قام الأهالي بالتنسيق مع السلطات الأثرية وقوات "الجيش الحر"، بحماية المتحف وحراسته". وكانت المديرية العامة للآثار والمتاحف أعلنت أكثر من مرة على الموقع الإلكتروني الرسمي العائد لها، وكذلك عبر وسائل الإعلام الرسمية، بأنها اتخذت كافة الإجراءات اللازمة لحماية المتاحف المنتشرة في مختلف المدن والمحافظات السورية. وتتحدث تقارير عن تعرض عدة أحياء إلى قصف عنيف، بالتزامن مع وقوع اشتباكات بين الطرفين، في ظل تعرض أماكن أثرية للقصف جراء الصراع الدائر في البلاد. ودعت منظمة اليونيسكو مرارا إلى ضمان حماية الإرث الثقافي في سورية وخاصة في مدينة حلب التي تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش ومسلحين معارضين، خصوصا أن سورية تتمتع بتراث أثري وتاريخي بالغ الأهمية، إذ يوجد فيها 38 متحفا (متاحف أثرية، ومتاحف للتقاليد الشعبية، ومتاحف تخصصية)، تتوزع هذه المتاحف على غالبية المدن والمحافظات، وتضم في خزائنها مئات الآلاف من اللقى والتحف الأثرية والتراثية التي تعود لأزمنة مختلفة، كما تضم أيضا أعمالا نحتية ولوحات لفنانين سوريين معاصرين.