في الوقت الذي ينتظر فيه المتسولون من كبار السن انقضاء الصلوات في المساجد والجوامع للوقوف أمام المصلين طلبا للمساعدة، يرابط "علي" وصاحباه أمام إشارات ضوئية في الرياض، لممارسة التسول من أصحاب السيارات فيعطيهم البعض، وكثير منهم يمتنعون. ويقف هؤلاء الأطفال وغيرهم أمام إشارات ضوئية متفرقة بالعاصمة منذ ساعات الصباح الباكر ولا ينصرفون إلا في ساعات متأخرة استمرارا لظاهرة التسول التي تجتاح الكثير من المدن السعودية. ويقول هؤلاء إنهم "مقيمون" وجلهم من دولة حدودية مجاورة، فيما لا يستبعد أن يكون من بينهم مواطنون دفعتهم الحاجة وربما "عصابات التسول" لهذه الطريقة للحصول على المال. ورغم جهود الجهات المعنية في ملاحقة المتسولين وضبط العديد منهم في أوقات سابقة، إلا أن هذه الظاهرة تختفي لبعض الوقت ثم تعود لسابق عهدها، ولا تقتصر على الإشارات الضوئية وأمام الأسواق والمطاعم فحسب بل تمتد للمساجد والجوامع، ففي حين يبرز وجود الأطفال والشباب أمام الإشارات، يتخذ "المسنون" من الجوامع والمساجد مكانا للتسول حيث لا ينتهي الأئمة من صلاتهم، إلا ويقف أحدهم أمام المصلين متمتما بكلمات تزعم معاناته مع الفقر والحاجة، فيما يبرز آخرون أوراقا ووصفات طبية وفواتير خدمات مطالبين بمساعدتهم. ولا يتحرج آخرون من نزع الملابس عن أجزاء من أجسادهم لإبراز ما يعانونه من أمراض وآثار حروق أو عمليات جراحية على حد زعم بعضهم. "علي" أحد الأطفال الذين التقت بهم "الوطن" أمام إشارة ضوئية في الرياض، قال إنه مقيم من دولة حدودية فقيرة يرابط غالبية ساعات النهار أمام الإشارات الضوئية لطلب المال، رافضا الإجابة على استفسار "الوطن" عن وجهة المبالغ التي يجمعها وما إذا كانت هناك عصابة تستغله وتدفعه للتسول، بل إنه لاذ بالفرار فور مشاهدته كاميرا الصحيفة وسط ترقب زميلين له يتسولان بحذر، كما يفعل الأمر نفسه عند مشاهدة الدوريات الأمنية أو سيارات حكومية مستغلا الأراضي الفضاء المحيطة بموقع تسوله وزملائه. وعلق المواطن خالد المالكي على هذه الظاهرة بالقول إنها سلوك مزعج لا يمكن مشاهدته في الدول المجاورة نتيجة لتعاملهم مع المتسولين بحزم، لافتا إلى أنه يتضح من خلال مشاهداته أن غالبية المتسولين من دولة فقيرة لها حدود مع المملكة، وقد يكون من بينهم "سعوديون"، ولذلك يجب تطبيق التعليمات التي تمنع التسول وتضييق الخناق على الأجانب منهم وترحيلهم للقضاء على هذه الظاهرة التي تبرز في الكثير من مدن ومحافظات المملكة، وتعكس صورة سلبية عن الوطن. كما طالب بالبحث عن المتسولين السعوديين ودراسة أوضاعهم ومساعدة المحتاجين منهم لإنهاء التسول بكافة مظاهره. من جهتها، قالت وزارة الشؤون الاجتماعية إن الإحصائيات إلتي أجرتها على المتسولين في السنوات الأخيرة أثبتت أن نسبة عالية من المتسولين المقبوض عليهم هم من الأجانب، إذ تتراوح نسبة السعوديين منهم بين 13- 21% بينما تتراوح نسبة الأجانب من المتسولين بين 78- 80%. ولفتت الوزارة في بيان نشرته على موقعها على الإنترنت إلى أن هناك أربعة مكاتب لمكافحة التسول في جدة، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وأن هناك ثمانية مكاتب للمتابعة الاجتماعية في الخرج والدمام والأحساء والطائف وأبها وتبوك وحائل والقصيم. وقد أسهمت هذه المكاتب في معالجة كثير من حالات المتسولين الذين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الجهات الأمنية. وبينت أن المكاتب تركز على بحث حالات المتسولين السعوديين للتعرف على مشكلاتهم ورسم خطط علاجها وفق كل حالة وتوجيههم إلى الخدمات التي توفرها الدولة للمحتاجين منهم على ضوء ما حددته النظم واللوائح الصادرة بهذا الشأن، بينما تتولى الجهات الأمنية معالجة أوضاع المتسولين غير السعوديين. وحذرت الوزارة المواطنين والمقيمين من تشجيع التسول بإعطاء المتسولين في الشوارع والأسواق والميادين العامة الصدقات والزكوات أو تقديمها لأسر أو لأشخاص غير معروفة أحوالهم. ودعت في بيان أصدرته في وقت سابق كل من لديه الرغبة في تقديم الصدقة أو الزكاة للمحتاجين الاتصال بمكاتب الشؤون الاجتماعية ومكاتب الإشراف النسوي أو بالجمعيات الخيرية المنتشرة في جميع مناطق المملكة، والبالغ عددها 623 جمعية، مؤكدة استعداد الجمعيات الخيرية المنتشرة في أنحاء المملكة للمساعدة في تقديم المعلومات اللازمة للراغبين في كفالة الأسر المحتاجة من الأرامل والأيتام وكبار السن والمعاقين والنساء المهجورات، وغيرهم من المحتاجين في المجتمع.