لم يعد هناك خيار لامتلاك منزل سوى شقق المستثمرين التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، مما جعل رب الأسرة يستقطع النصيب الأكبر من دخله لصالح ما يدفعه من إيجار شهري. ومما لا شك فيه أن تصاعد قيم العقار بشكل جنوني أدى إلى عزوف شرائح مختلفة من المجتمع عن التفكير في إمكانية بناء أو شراء بيت العمر الذي يعد ضرورة ملحة لاستقرار العائلة، وحماية أفرادها من عناء التنقل من شقة لأخرى. إن أزمة السكن لدينا قد تراكمت عبر سنوات عدة، وهي بحاجة لحلول غير تقليدية، تحد من تفاقمها، بوضع خطط استراتيجية يتم تنفيذها بدقة وإخلاص. ولو عرجنا على أسباب هذه الأزمة لوجدنا أنها تتمحور حول مجموعة من المشكلات، أهمها: غلاء قطع الأراضي السكنية، وهذه العقبة الأولى التي تتكسر إزاءها مجاديف الحالمين بتشييد المنازل الخاصة؛ حيث إن قيمة الأرض في بعض المواقع تفوق قيمة البناء، وتلك نتيجة طبيعية لقلة العرض مقابل ازدياد الطلب. وهنا يبرز السؤال الأهم: ما الذي أوصلنا لمرحلة شح الأراضي في ظل وجود مساحات هائلة تحيط بالمدن من كل النواحي؟ صراحة، لا أملك إجابة شافية لهذا السؤال، بيد أنني أعتقد أن ثمة عوامل مجتمعة لها أثرها الملحوظ في هذا الشأن، من ذلك تأخر المنح البلدية لسنوات وعدم ملاءمة بعضها للسكن حال توزيعها، إما لبعدها عن الأحياء السكنية أو لافتقارها للبنية التحتية. وأيضا مما أدى لقلة المعروض من الأراضي في السوق، احتكارها من قبل فئة معينة مقتدرة ماديا؛ إذ لا توجد رسوم أو ضرائب على الأراضي البيضاء مهما بلغت مساحتها ومهما كان موقعها. وإلى جانب مشكلة غلاء القطع السكنية ثمة عوامل نظامية وقانونية لها تأثيرها فمثلا، تأخر إقرار وتفعيل نظام الرهن العقاري جعل الكثير من المواطنين ينفقون آلاف الريالات على السكن المؤجر الذي يبقى ملكا لصاحبه، رغم أن منهم من يود استثمار هذه المبالغ في منزل موعود بامتلاكه في يوم ما، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الرهن العقاري الذي يُعمل به في مختلف بلدان العالم. ومن العوامل التي لا يمكن تجاوزها تكلفة البناء الباهظة التي لا تناسب محدودي الدخل، وهذا يعني أننا بحاجة ماسة لوضع خيار البيوت الاقتصادية أمام ميسوري الحال. مما سلف يتضح أن هناك ظروفا وعوامل أدت مع مرور الزمن لتنامي أزمة الإسكان بالمملكة. وإذا ما علمنا أن عدد السكان يتزايد سنويا بنسب عالية، أدركنا أن الأمر يقتضي وضع حلول حقيقية من شأنها تسهيل امتلاك المنازل، لا سيما أن الوضع الاقتصادي- ولله الحمد- في المملكة في أحسن أحواله والموازنة في أعوامها الأخيرة تحقق أرقاما قياسية. ومن وجهة نظري الخاصة أرى أن جوهر الحل يكمن في دعم صندوق التنمية العقارية، وتسريع حصول المواطن على منحة بلدية مكتملة الخدمات.