اعتبرت الرياض أمس، إعلان الأممالمتحدة، الذي أحصى أعداد قتلى الأزمة السورية بأكثر من 60 ألف قتيل وتزايد أعداد اللاجئين، دليلاً على تفاقم الأزمة، وهو ما يتطلب الدفع بتطلعات الشعب السوري، بما يضمن حقن الدماء، والحفاظ على الأمن والاستقرار، ووحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها. وأكد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري محمد كامل عمرو في الرياض أمس، على أهمية الانتقال السلمي للسلطة في سورية، بعد أن فقد النظام السوري شرعيته "داخلياً وعالمياً". وقال الفيصل "الخروج السلمي مطلوب في سورية ومرغوب عربياً ودولياً، أما طريقة الخروج وشروطه فتتوقف على الشعب السوري نفسه، فلن نكون واضعين شروطا أو ملتزمين بشروط، إلا ما يقره الشعب السوري في هذا الخصوص". وقطع وزير الخارجية بأن ما تشهده الساحة العراقية من تنافر وتضاد لن يبلغ ما وصفه ب"الاستتباب" إلا في حال تعامل العراقيين خارج إطار المذهبية والتطرف المذهبي، الذي وجده "قد دب بين العراقيين". وقال "يؤلمنا ما يحدث بالعراق، ولكن قناعتنا في أن العراق لن يستتب أمره حتى يتعامل خارج المذهبية والتطرف المذهبي الذي للأسف دب بين العراقيين". وأضاف "حتى إن تُعالج هذه القضية، لا نعتقد أن يكون هناك استقرار بالعراق، وهذا يؤلمنا، ولكن ما نستطيع نعمله أمر آخر، العراق بلد مستقل، وإذا كان أهل العراق لم يطلبوا التدخل من الإخوان العرب فيصعب التدخل في الشؤون الداخلية". وأشار الفيصل إلى أن الملف النووي الإيراني، كان من بين المواضيع التي جرى بحثها في الاجتماع الوزاري الأول للجنة المتابعة والتشاورالسياسي بين البلدين، وخصوصا لجهة ما عبرت عنه دول مجلس التعاون في قمتها الأخيرة، من قلق على الخطورة البيئية لهذا البرنامج على دول الخليج، إضافة لخطورته على أمن وسلم المنطقة والعالم، في ظل عدم تجاوب إيران مع جهود مجموعة (5+1) لحل الأزمة دبلوماسياً، يضاف إلى ذلك السياسات الإيرانية الرامية لمحاولة التدخل في شأن دول المنطقة بشتى السبل وإثارة القلاقل والمشكلات بها. وفي الملف الفلسطيني، سلط الفيصل الضوء على التصعيدات الإسرائيلية الخطيرة، المتمحورة حول بناء المزيد من المستوطنات، والاستحواذ على المزيد من الأراضي الفلسطينية، علاوة على سياسة الابتزاز التي تمارسها إسرائيل بمنع تحويلات الأموال الفلسطينية للفلسطينيين، في محاولة لفرض عقوبة عليها لمجرد نيلها حقاً مشروعاً بالحصول على صفة دولة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة، وبدعم واسع من المجتمع الدولي. وبين الفيصل أنه تم في نفس الإطار بحث تطورات المصالحة الفلسطينية التي ما زالت متعثرة. وقال "للأسف الشديد المصالحة متعثرة، هناك جهود حثيثة ومحمودة لمصر في محاولة تقريب وجهات النظر، وإتمام الأمر على نحوٍ يُعيد للفلسطينيين لحمتهم". وجدد وزير الخارجية على نهج وسياسية المملكة، التي تقتضي بعدم التدخل في شؤون الغير، وهو ما وصفه ب "السياسية الصارمة" المبنيةً على عدم التدخل في الدول الأخرى، وذلك في رده حول ما أعلن أخيراً في الإمارات من كشف خليةٍ تابعةٍ للإخوان المسلمين، كانت تحضر لعملٍ وصفته السلطات الإماراتية ب "التخريبي". وقال "بالنسبة لنا في هذا البلد، نحن لا نتحدث إلا عن شؤوننا الداخلية، الشؤون الداخلية للدول الأخرى لدينا سياسة صارمة، أننا لا نتدخل، وبالتالي ليس لدينا شعور تجاه أحد بالرفض أو القبول لا من الإخوان المسلمين ولا الإخوان غير المسلمين". ونفى الفيصل معلوماتٍ يُروج لها حيناً بعد آخر، عن أن القوات الجوية السعودية تقوم بضرب بعض المواقع التابعة للقاعدة في اليمن، واعتبر ذلك أمراً عاريٍا عن الصحة، فيما أشار في ذات الوقت إلى أن مساعي حثيثةٍ تبذل لإطلاق سراح نائب القنصل السعودي المختطف في اليمن منذ ما يزيد عن عام. وقال "المساعي حثيثة لإطلاق سراح نائب القنصل، نأمل التوفيق، ونحن نتكل على الناس الذين يفاوضون بالداخل". وفي العلاقات السعودية المصرية، أكد الأمير سعود الفيصل عمق العلاقات بين البلدين في جميع مجالات التعاون لخدمة المصالح المشتركة، وخدمة القضايا العربية والإسلامية، والأمن والسلم الدوليين. وقال "بهذه الروحية عقدنا اليوم الاجتماع الوزاري الأول للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين، تناولنا خلاله العديد من مواضيع التعاون المشترك بما في ذلك أعمال اللجنة السعودية المصرية المشتركة التي يرأسها وزيرا التجارة فبالبلدين، وتطرقنا كذلك إلى سبل تسهيل الاستثمارات، وبرنامج الدعم الاقتصادي لمصر وغيرها من العديد من القضايا التي تصب في خدمة شعبي البلدين وترتقي لطموحات قيادتينا". وعن القمة الاقتصادية المقبلة، أكد الفيصل على المسؤولية الكبيرة في متابعة مانفذ من قرارات القمم السابقة. وقال "التوجه الذي تحدثنا عنه يفترض أن تقوم مصر والمملكة بما يمليه عليهما واجبهما تجاه شعبيهما وتجاه التعامل العربي عموماً والتعامل الثنائي العربي، وبالتالي سندرس من الآن وحتى القمة القادمة مدى ما يمكن طلبه وتقديمه من إجراءات". من جانبه، عد وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو الاجتماع الوزاري الأول للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية، يأتي في وقت هام ليس فقط بالنسبة للدولتين، لكن للمنطقة ككل، واعتبر هذه العلاقات تتعدى حدود تأثيرها على الدولتين، وتمتد إلى المنطقة بأكملها. وأعلن عمرو عن قرب اجتماع اللجنة السعودية المصرية المشتركة، والتي يوكل لها بحث العديد من الأمور داخل العلاقات الثنائية المشتركة، التي يرأسها وزيرا التجارة في البلدين. وأضاف "هناك حجم لا بأس به من الاستثمارات المصرية في السعودية تصل لحوالي 2 مليار دولار، في حين أن حجم التبادل التجاري في 2011 بلغ نحو 5 مليارات دولار، ويعتبر هذا الحجم من أكبر أحجام التبادل التجاري بين مصر ودول العالم". وقال عمرو إنه تم حل المشاكل التي تواجه الاستثمارات السعودية في مصر، باستثناء مشروعين فقط، اللذين صدرت فيهما أحكام قضائية، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية ستطعن في هذه الأحكام للوصول إلى حلول مرضية. وشدد على أن هناك وحدة مخصصة للتعامل مع أية مشاكل تقابل أي مستثمر سعودي، وسط تأكيد أن الحكومة المصرية ملتزمة تماماً بحماية الاستثمارات بمصر، وملتزمة بتنفيذ أية تعهدات تم التوصل إليها. ومضى الوزير المصري يقول "تحدثنا في إمكانية زيادة الاستثمارات السعودية في الفترة القادمة في مصر، هناك فرص كثيرة أمام زيادة هذه الاستثمارات، وتحدثنا في مجال جديد، وهو إمكانية الدخول في مشاريع تعاون ثلاثي للتعاون التجاري بين المملكة ومصر، بإقامة مشاريع استثمارية في دول أخرى مجاورة في الزراعة أو غيرها، تحدثنا في هذا الأمر، وسيكون البحث بالتفصيل في القريب العاجل". سياسياً، وصف عمرو الوضع بسورية ب"المأساوي"، والذي لا يمكن القبول باستمراره، وطالب ببذل جهود مكثفة لإنهاء هذا الصراع، والاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السوري في الانتقال إلى الديموقراطية مع المحافظة على وحدة التراب السوري، ووحدة نسيج شعبه المتعدد الأطياف والأعراق. واعتبر عمرو أن الانتقال السلمي للسلطة مهم جداً، في ظل تفاقم أعداد الضحايا. وقال "نحن نتكلم عن قرابة ال80 ألف قتيل في سورية، وهذا الأمر لا يقبله أي ضمير إنساني في أي مكان في العالم، فما بالك في دولة مثل سورية، كلما عجلنا بالوصول للانتقال السلمي، وعجلنا بالوصول إلى الحل، كلما جنبنا هذا الشعب المزيد من المآسي والمزيد الألم". وأتفق عمرو مع الخروج السلمي في سورية إذا كان سيجنب الشعب المزيد من إراقة الدماء، فهو مطلوب إنما في النهاية الشعب هو الذي سيقرر كيفية حل مشاكلة وكيفية ترتيب أوضاعه. وعن العراق، رأى وزير الخارجية المصري أن ما يدور يعتبر مؤلماً، خصوصاً لشعبٍ عانى كثيراً خلال الأعوام الماضية. وقال "العراق بلد عزيز علينا جميعا، مايدور فيه حالياً يؤلمنا جميعاً ومصدر قلق لنا، العراق عانى كثيراً في الأعوام الماضية، وأعتقد أنه آن الأوان ليخرج هذا الشعب من محنته، نرجو الابتعاد والخروج من دائرة الفتنة الطائفية، لأن من يدخل فيها يعاني كثيراً، وإذا العراق طلب مساعدة أي شقيق من أشقائه العرب نحن جاهزون". ووضع وزير الخارجية المصري القضية الفلسطينية في خانة "قضية العرب الأولى"، التي كانت المملكة ومصر على الدوم في مقدمة الدول التي دافعت وعملت وساعدت الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه المشروعة. وقال إن الشعب الفلسطيني يمر بلحظات من أصعب اللحظات في تاريخه، على اعتبار أن الأراضي الفلسطينية تنتهك يوما بعد يوم، والمستوطنات تقام بصورة شبه يومية، والضغوط الجديدة بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بانضمام فلسطين كدولة مراقب في الأممالمتحدة، والإجراءات العقابية لهذا التحرك الذي يعتبر من صميم حق أي شعب، فهناك ضغوط عنيفة جداً، وهذه أمور توجب الوقوف بجانب شعب فلسطين في هذه المرحلة. وأكد على الدور الذي قامت به بلاده فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، وتوقع في ذات الوقت أنه وبدون إتمام هذه المصالحة، سيكون هناك عنصر ناقص للقوة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الغاشم، فيما قطع بمضي مصر في المصالحة، وفي الأيام القادمة ستكون هناك تطورات ملموسة في هذا الشأن.