يجذب سوق الندى، الذي يصل عمره إلى أكثر من 160 عاما، عشاق الآثار والتسوق، و يضم السوق مساجد الخضر، حنفي، ولؤلؤ، إضافة إلى دار باناجة، في حين تنتشر "الدكاكين" الشعبية القديمة بين جنباته. يقول عمدة حارتي اليمن والبحر عبدالصمد محمد عبدالصمد في حديث إلى"الوطن": "سوق الندى من الأسواق الشعبية القديمة في منطقة البلد، ويسمى سوق الندى بهذا المسمى نسبة إلى ندى البحر لقرب موقع السوق منه، حيث كان في الماضي تتجمع قطرات المياه على مظلات المحلات في الصباح، وعند اشتداد درجة الحرارة تبدأ في التساقط على الأرض، فأطلق هذا الاسم على السوق". وأضاف أن السوق كان عامرا بالمكتبات ومحلات بيع المواد الغذائية، وبه مخزن أدوية ومطاعم تخصصت في بيع الأكلات الشعبية، وأصحاب أشهر محلات صنع الأحذية في جدة، وأقدم فرن "فران الشيخ"، إلا أنه الآن لم يعد يملك بريقه القديم. وبالانتقال إلى أزقة سوق الندى القديمة، نجد "زقاق الخضر" الذي يقبع فيه أقدم مسجد في جدة والمسمى ب"الخضر"، إذ يبلغ عمره أكثر من 300 عام، ويقع داخله بئر يمتد عمره إلى نحو 500 عام، ويعود اكتشاف البئر بعد تجديد المسجد منذ عدة سنوات، ويحتوي البئر بداخله على عقود مزخرفة من العهد المملوكي. ووفقا لما أوضحه سكان سوق الندى، فإن البئر ما يزال تتدفق منه المياه العذبة، التي تستخدم في عملية الوضوء داخل المسجد، ولم يستطع أحد تحديد مصدر هذه المياه إلى وقتنا الحالي، في حين تتراص على أطراف السوق محلات بيع الأحذية والملابس والتسجيلات الإسلامية، وبيع حقائب السفر، إضافة إلى أقدم محل صرافة منذ حوالي 50 عاما. أما مطاعم سوق الندى، فاشتهرت ببيع الأطباق الشعبية الشهيرة المحببة لنفوس الجدوايين، إذ اكتسبت مطاعمه شهرة ببيع الأسماك، مما جعلها مقصدا لعشاق المأكولات البحرية، فزائر السوق يشتم رائحة الأسماك وشوائها المتطاير في الهواء، وتجذبه تلك الرائحة الزكية، إلى جانب وجود أقدم مطعم شعبي لبيع رؤوس المندي. بائع السمك فيصل أحمد سليمان، صاحب أول محل لبيع أسماك الناجل منذ 80 عاما يسرد ل"الوطن" كيفية دخوله لعالم الطهي قائلا: "تعلمت طهي الأسماك من والدي منذ مرافقتي له في بداية مشواره، ولنا زبائن من شتى بقاع المملكة، خاصة في نهاية الأسبوع، وأتذكر أول يوم وقفت به في المحل مع والدي، حيث تعلمت على يده أصول قلي الأسماك وإعداد أرز "الصيادية"، وبعد وفاته توليت الإشراف على المطعم، حتى أصبحت من أشهر طهاة الأسماك في سوق الندى". ويضيف لدينا زبائن من كل الطبقات، من رجال أعمال ومستشارين وكبار الشخصيات ممن يحرصون على تناول أطباق الأسماك على موائد مطعمه المتواضع، مشيرا أن أسعارهم في متناول الجميع، حيث يبلغ سعر كيلو الناجل 80 ريالا، ولم يخف تذمره من وجود الباعة المخالفين، الذين يتخذون من زوايا المحلات مراكز لمراقبة المارة، وعرض شتى أنواع البضائع عليهم من جوالات وساعات وعطور في ظل ضعف الرقابة. وعلى الطرف الآخر من السوق، يقبع أقدم مطعم لبيع رؤوس المندي منذ أكثر من 90 عاما، يقول العامل في المحل عبده أحمد، نقدم الأكلات الشعبية المعروفة بالمندي ورؤوس المندي، حيث نقوم بطهو رؤوس الأغنام، ونعتمد في عملية الطهي بوضعها في "الميفا"، وهي عبارة عن حفرة عميقة بباطن الأرض تمتلئ بالجمر، وتوضع فوقها رؤوس الأغنام، وتغلق بإحكام لفترة من الوقت، ومن ثم يتم إخراجها وبيعها بعد تقطيعها، وتؤكل مع الخبز الأسمر بجانب السلطات، كذلك يتم تقديم أرز المندي. ويشير لدينا زبائن من كافة الطبقات، منهم أكاديميون من جامعة المؤسس، وعمد الأحياء، ورجال أعمال، مبينا أن عملية البيع تقوم على الحجز المسبق عن طريق الاتصال الهاتفي، فيوميا لدينا ما يقارب 40 طلبا من زبائن في فترة الظهيرة، و60 طلبا في فترة العشاء، ويبلغ سعر هذا الطبق قرابة 20 ريالا للرأس الواحد.