تتشكل الآن الملامح الأخيرة لاستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما الثانية، وذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع من إدلاء الرئيس للقسم الذي يبدأ به فترة رئاسته المقبلة. وطبقا لتقارير متعددة تداولتها واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة فإن من الممكن وضع خلاصتها في عدد من الاستنتاجات الرئيسية التي ستحكم المسار العام لإدارة أوباما الثانية على الأقل في مرحلتها الأولى. ومن أبرز تلك الاستنتاجات أن السياسة الخارجية ستحتل الموقع الثاني على أجندة الإدارة بصفة عامة، وأنها ستظل تتأسس على مبدأ رد الفعل وليس المبادرة. فقد استبعدت الإدارة منطق "تحقيق اختراقات" في ذلك المجال على نحو ما فعلت خلال العامين الأخيرين. وقد ظهر ذلك واضحا قبل بدء تلك الإدارة لعملها بصورة رسمية من خلال المبادرة الروسية الأخيرة بشأن سورية التي أبلغت بها الولاياتالمتحدة، وكان قرار واشنطن هو البقاء على الخط الجانبي. وفي المقابل فإن القضية الاستراتيجية الأولى في دائرة السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الأربع المقبلة ستظل هي التوجه لآسيا بهدف بناء وجود أميركي فاعل هناك، يتمحور حول إدارة ما سماه مسؤول بمجلس الأمن القومي "المواجهة الناعمة" مع الصين. وتعتمد تلك المواجهة على توثيق العلاقات بعدد من الدول مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية ومجموعة "آسيان"، مع توجيه بقعة الضوء على سلوك بكين نحو تحركاتها العسكرية في بحر جنوب الصين، وعلاقتها مع كوريا الشمالية وأفريقيا، وما يمكن أن تحرزه من تقدم في تكنولوجيا الغواصات النووية أو الفضاء، فضلا عن سجلها في مجال حقوق الإنسان، وعلاقاتها التجارية خاصة مع شركائها الأساسيين. ويحتل الشرق الأوسط الموقع الثاني على أولويات السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات المقبلة، انطلاقا من المبدأ ذاته، أي تجنب بلورة مبادرات مستقلة ذات طابع قيادي أو مستفز لأي طرف أساسي في الإقليم. وفي حالة إيران فإن الآراء تتفق على أن البيت الأبيض سينحو تجاه إطالة التفاوض مع طهران إلى أطول مدى ممكن طالما لم تخطُ إيران خطوة مستفزة جديدة تجاه عسكرة برنامجها النووي. وستحافظ الإدارة على سياسة تدويل قضايا المنطقة وإشراك الحلفاء، ولاسيما في أوروبا الغربية في التعامل مع الملفات المهمة، وفي مقدمتها الملف الإيراني، فضلا عن ذلك فإن الإدارة لن تمارس أي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية بهدف التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. إلى ذلك أعلن أوباما في مقابلة أمس أن الولاياتالمتحدة لديها بعض "المعلومات الجيدة للغاية" بشأن المسؤول عن تنفيذ هجوم مدينة بنغازي الذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين بينهم السفير في سبتمبر الماضي.