تبدد حلم الطالب "خالد" بأن ينعم بالاستقلالية والخصوصية، وحرية الرأي فور دخوله الجامعة، فحينما التحق بالسنة التحضيرية، توقع أن يمنحه الأهل مزيدا من الثقة، كونه قد تجاوز مرحلة التعليم العام إلى التعليم العالي. ولكن حلم خالد تحول إلى كابوس مخيف على حسب قوله، فقد حوصر بين النصائح المتوالية من والدته، والكم الهائل من الأوامر من قبل والده، حيث يقول: "لم أعد أشعر بقيمة الجامعة، ولا نكهتها، وأنا أشعر بأن أهلي يفتحون بوجهي بابا من الأعاصير اليومية، رغم علمي مسبقا بالعديد من التحذيرات، كوني سأدخل مرحلة جديدة في حياتي، غير أنني لم أتوقع أن يتحول الأمر إلى حصار وضغوط، ومراقبة أشعر بها في كل مكان". وتابع قائلا: "لطالما كرر والدي على مسمعي ألا أخالط أيا من الأصدقاء الجدد، وأن أكتفي بصداقة أبناء عمومتي، ونفس التنبيهات تتكرر من والدتي، إلا أنها تزيد من نصحها ألا أقبل المأكولات من أي أحد، حتى المشروبات الساخنة تحذرني من أن أتناولها من أي صديق في حال دعاني إلى كافيتريا الجامعة". واستطرد خالد بحزن: "بالتدريج زاد الحصار العائلي علي، حتى إن جدول المحاضرات الخاص بي بات معروفا لدى الجميع بما فيهم أخي الأكبر، والذي يعمل معلما، فهو الآخر بات يلقي علي الأوامر، بل ويزيد فيها، ويأمرني أن أذهب إلى المنزل مباشرة بعد انتهاء المحاضرة". وأضاف خالد "ممنوع أن أشرب شيئا لا أعرف ما هو، أو أن أتحدث مع أي شخص لا أعرفه، وعليّ أن أبتعد عن زملائي الجدد،.. هل هذه هي الخصوصية التي لطالما تمنيتها فور دخولي الجامعة؟، ولطالما ذكرت لي من لدن أهلي ومعلمي في المدرسة؟". ولا تعتبر خلود الشمري (19 عاما)، أن هذا الأمر يقتصر على الشباب فقط، فالفتيات يتعرضن لمثل هذه التحذيرات، بل وأشد منها أحيانا، تقول: "هذه مرحلة جديدة في حياة كل طالب وطالبة، والأهل يبالغون في الرقابة على أبنائهم من فرط خوفهم عليهم، فالتحديات التي نشهدها باتت عاملا مهما في جلب تلك المخاوف، لذلك فهم يحذرون بكثرة، ومن الممكن أن يراقبونا بطريقة خاطئة، لكن أنا لا أقوم بلومهم لكثرة ما يسمعون ويرون من تخبطات". بينما تعتقد أم خلود أن للأهالي وجهة نظر لا بد أن يسمعها الأبناء، وعللت ذلك بقولها: "خوفي الشديد على ابنتي ناجم من تمتعها بنوع من الحرية في الجامعة، حيث تعتقد أنها في عمر يسمح لها باتخاذ القرارات، ولكن هذا غير صحيح، فهذه السن تحتاج إلى توجيه مضاعف، والنصائح التي أقدمهما واجب تربوي، في إطار الحماية، ومخاطر المجتمع المفتوح يستدعي إطلاق هذه التحذيرات لها وبصفة مستمرة"، مشيرة إلى أن القصص التي تحدث داخل أسوار الجامعات تحتم هذه التحذيرات المستمرة للأبناء. من جانبها أكدت أخصائية الإرشاد النفسي مريم العنزي، على "ضرورة تنظيم العلاقة بين الطرفين، إذ يجب على الآباء أن يمنحوا الأبناء مساحة خاصة من الحرية الشخصية، وعدم التدخل في الكثير من قراراتهم، ولا ضير من التحذير والمراقبة، لكن دون أن ينقلب الموضوع إلى قيد خانق". ونصحت العنزي الأبناء، أن يتقبلوا خوف وحرص أسرهم عليهم في الكثير من الجوانب، وألا يعتبروا ذلك إلغاء لشخصيتهم، خاصة وأن معظم الأهل يجدون أن من واجبهم توجيه أبنائهم من باب خبرتهم وتجاربهم في الحياة، والتي من الضروري أن يمنحوها لأبنائهم. وأكدت على ضرورة أن تكون العلاقة بين الآباء وأبنائهم علاقة صداقة، خاصة عندما يدخلون المحيط الجامعي، ويتجاوزون مرحلة الطفولة، مشيرة إلى أن هذه العلاقة ستحقق التوازن الاجتماعي الذي تنشده جميع الأسر.