نحن في مجتمع إسلامي محافظ وهبه الله حب الخير والسعي إليه، وأصبح جل اهتمامه رعاية المحتاجين والمتضررين - لاسيما اليتامى – فلقد ضرب لنا معلم البشرية وخير البرية محمد - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة، وجسدها لنا خير تجسيد، وبين لنا أجرها وثوابها، وكيف نتعامل مع اليتيم، وكيف نُظهر ابتسامته، وكيف نساهم في سعادته، فهاهو صلى الله عليه وسلم يمسح على رأس اليتيم، ويقول: "من مسح على رأس يتيم لا يريد به إلا الله - عز وجل - كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، من أحسن إلى يتيم أو يتيمة عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وضمّ بين الوسطى والسبابة". ومما لا شك فيه ولا ريب أن دار الأيتام بيئة نقية تتميز عن غيرها، وربما كانت بيئة دار الأيتام أنقى وأطهر من بقية المجتمعات التي تكاثرت بها المحن، والمصاعب والنقم، والدليل على ما أقول إن المشايخ، والعلماء، والملوك، والقادة! الكثير منهم كانوا يتامى، أيدهم الله بروح منه وسددهم، وإلى الصواب قربهم وأرشدهم، لأنهم تحملوا المسؤولية منذ صغرهم، وأيضا تمتعوا برعاية وأجواء نقية. إلا أن هذا لا يكفي، فالمجتمع الخارجي يتطلب من اليتامى عدة أدوار، وأهمها مرحلة ما قبل الزواج، والتي تعد مرحلة مصيرية، منها ينطلق اليتيم - أو من ترعرع في دار الأيتام – بصفحات بيضاء جديدة، ولكنها متأثرة بما يكون في المجتمع من قلة وعي وإدراك وإجحاف وتقصير تجاه الزوجة اليتيمة. قالت إحدى فتيات الدار أول ما قالت: كثيرا ما يتقدم لنا مَنْ يريد الزواج من الدار، ولكنه يتصرف بهمجية، وكأنه يطلب خادمة، وليست شريكة لحياته، فقد تقدم شاب للزواج يطالب بفتاة تخدم والديه المقعدين مستغلين ظروفنا وقلة حيلتنا. أين نحن عن قول النبي صلى الله عليه (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك). ليتنا ندركُ أحاسيسهم، وننمي الرضا في قلوبهم، ونتفهم أوضاعهم، ونتقرب منهم، ولا نفرق بينهم كما هو حاصل الآن؛ يا سادة، نحن في زمن طفحت فيه صرخة اليتيم ولم تعد مسموعة ولم تعد تعنينا وذلك لقلة اهتمامنا بهم. ختاما نقول: التلطف، والتودد، والعطاء، بوجه اليتيم صدقة. ومن أراد السعة في المال وغيره فعليه التقرب من اليتيم، ومن طمع بكرم الله وفضله فعليه إكرام اليتيم، ومن أراد سكينة القلب والروح فليمسح رأس اليتيم، ومن طمع بمال اليتيم فإن مثواه النار وبئس المصير.