لم أكن أنوي الكتابة عن السفر، كجزء من أجزاء الحياة أصبحَ لديَّ مهمشا جدا؛ لما آلت إليه ظروف العمل والارتباط بأسرتي، لكنني وددتُ أن أضع مساحة من الوقت كي أفرِّغ هذا التشاحن النفسي، الذي تتصارع معه جزئيات العقل!، وذلك عن مشاهدتي للكثير من الأصدقاء - من أبناء جلدتي - وهم في بلدان أوروبا على وجه التحديد، وفيما يبدو أن هذه الظاهرة التي استشرت في موقع التواصل الاجتماعي - الفيسبوك - شكلت عندي حيْرات عدة، لم تزل كامنة في الذهن عن هذا السيناريو الذي يتبدى من تفاصيله الحقيقية، تفاصيل أخرى من واقع حياتهم المُصورة، والتي اختزلت بالنسبة لي اهتماماتهم السطحية المهداةِ إليَّ في ذات الصفحة الشخصية كما لو أنني "ولي أمرهم الذي أنجبتهم" حتى أمتع ناظري بهم وهم في بلاد العالم الأول، وأطمئن على سفرهم، وعلى تذاكر حجوزاتهم، ومقار إقامتهم في تلك الفنادق.. شاهدتُ العديد من الصور، ورغم تعددها كألبوم مُصور لحياة شخص فرضه عليَّ ذات الموقع ليكون صديقا، بينما هوَ يُفترض أن يكون أقرب من مجرد صديق - افتراضي - لا تربطني به أية صداقة في الأصل! كأن يكون قريبا مُقربا من ذات العائلة أو من نفس الجماعة القبلية مثلا، أو ابنا من أبناء الأعمام على سبيل المثال لا الحصر، إلا أنني قابلت ذلك برحابةِ صدر مُستغربة مني أملا في الاطلاع على نتيجة مُحققة من هذه السفريات التي تم تصويرها.. ولم أجد! إن النتيجة الحتمية التي أجزم أنها الحقيقة الغائبة لدى الكثير من - مُحبذي - هذه الصور، هيَ محض صناعة متجددة لعملية نفسية أفرزت كثيرا من "الهياط" الفردي الممزوج باللا شيء!، وهذه فلسفة واقعهم التي أتحملُ تنظيرها طبقا للعوامل الحركية التي تشهدها ذات - الصفحات التواصلية - مثلما تحملتُ آنفا قبول مثل هذه الصور التي يلتقطونها لأنفسهم وهم على مقربة من أحد المحيطات البحرية أو الأنهار الأوروبية الشهيرة، أو أسفل برج إيفل كمثال على أن من في الصورة قد حط رحاله في باريس! أو أجد صورة ما - لأحد الأقارب - لا أرى فيها سوى وجهه الذي يكاد يتسع لحجم صفحتي الخاصة في الموقع ذاته، ثم يُعلق أنه الآن باتَ قريبا من متحف اللوفر!، ولا ألحظ أي دلالة على أن ثمة متاحف في ما وراء الوجه المُلتقط له.. إنها أمثلة دارجة وتظهرُ بجلاء وتخفي ما تخفيه من الإيماءات - الاجتماعية - تعبيرا عن الكبت "النفسي" والمكنون الناتج عن فراغ ثقافي وضحالة "فكر" إبداعي حتى في التصوير.. هذه الأنماط التي يتظاهر بها هؤلاء ما هي إلا إفرازات من حالة - قهرية - استعصت على النضج!، ولم يكن بمقدورها غير حمل الأمتعة للظهور مجددا من محطات أسفارهم التي تعتبر هيَ - المثالية - الظاهرية لهم لإثبات الوجود، ولكن بطريقة مختلفة عما ألفوه من تمضية الوقت لحياة شبه فارغة!، تتنامى فيها صور "الزيف" والخديعة المتمثلة في مضامين صفحات التواصل الاجتماعي، والتي بدورها سنحت لهم الفرصة - كمهايطية - لممارسة شيء مما يفكرون به في التشبث بحبِّ تزييف فاصل من فواصل حياتهم لنا نحن الذين قبلنا بهم أصدقاء!، ونحنُ في نهاية الأمر من يدفع ضريبة هذا "الهياط" المستفحل في صفحاتنا الخاصة.