يروي "صالح" والحرج باد على محياه قصة تعرضه للخداع، حيث اتصل به ذات يوم صوت نسائي لا يعرفه، وبعد حوار قصير أخبرته صاحبة الصوت أنها تتعرض لضائقة مالية وطلبت منه مساعدتها، يقول صالح "تعاطفت مع المتصلة خاصة بعدما تصنعت البكاء، وطلبت مني أن أرسل لها المبلغ على رقم حساب"، ويضيف "بسرعة تركت عملي، وذهبت إلى أقرب فرع، وأودعت الحساب الذي كان باسم رجل، وعللت ذلك لي بأنه رقم شقيقها". وتابع قائلا "بمجرد إيداعي المبلغ، حاولت الاتصال بها، ففوجئت بأن الرقم تم إلغاؤه، وكررت المحاولة مرارا، فوجدت نفس النتيجة، وعندما أخبرت أحد أصدقائي بالأمر، ضحك، وسخر مني، وأبلغني أن أحد أقربائه تعرض لنفس الخديعة، وأن المتصلة لا بد أنها شاب يقلد الأصوات، ووجد في هذا الأسلوب وسيلة سهلة للتكسب على حساب المغفلين". وهكذا لم تعد قضايا الابتزاز حكرا على شاب وفتاة، فقد تطور الأمر إلى أن يخدع شاب شابا آخر يشابهه في الصفات والتكوين، عن طريق تقليد الأصوات النسائية، والعبث بمشاعر "الضحية". يقول أحمد (أحد المبتزين) "اتجهت لهذا الأسلوب لحاجتي المادية، فعن طريقه أحصل على ما أريد من أجهزة ومبالغ مالية"، مشيرا إلى أنه خلال سنة واحدة من "التمثيل" استطاع الحصول على جهازي بلاك بيري وآي باد، كما حصل على مبلغ قدره خمسة آلاف ريال. فيما ذكر شاب آخر ويدعى" صالح"، أنه في بداية الأمر كان يقلد الأصوات النسائية بهدف التسلية فقط، لكنه مع تطور الموضوع واندماجه في الدور، أصبح يحتقر نفسه كثيرا. وعن الطريقة التي كان يمارسها أضاف "أتلاعب بمشاعر المتصل بكلمات الحب والغزل، للحصول على مبالغ مادية أو هدايا، وهو ما لا يقبله دين أو عقل". ويشاركهم الحديث أحد الشباب – رفض الكشف عن هويته - حيث قال "لي أكثر من ست سنوات أتلاعب بالصوت، وأحصل على ما أريد"، لافتا إلى أن من يسمح لنفسه بأن يشتري حبا وهميا من خلال مكالمة يستحق أن يفعل به هكذا. وعن طريقة اصطياد ضحاياه أوضح الشاب بأن "الأمر سهل جدا، فقد قمت بفتح حساب خاص في موقع التواصل "تويتر"، ووضعت صورة البروفايل لبنت "جميلة"، وبدأت في التغريد عن الحب والغرام، ومن أجده مهتما بما أكتبه من الشباب أعطيه رقمي لأواصل مسلسل "الابتزاز" عن طريق تقليد صوت ناعم، وأطلب في بداية الأمر بطاقات شحن، ويتطور إلى ما غلا وخف وزنه". من جانبه كان للشاب سلطان رأي مخالف حيث اعتبر تلك التصرفات نقصا في الرجولة، حيث قال "الرجل الحق يحصل على المال بالحلال، ومن عمله وليس بالتسلية واستغلال ضعاف الدين"، مؤكدا أنه لم ولن يفكر أبدا في تقليد أصوات الفتيات. وأكد المستشار النفسي الدكتور محمد الشربيني أن الابتزاز بحد ذاته جريمة لها أركانها، وتطرق إلى البعد النفسي في الموضوع قائلا "منذ فترة ليست بالقصيرة انتشرت ظاهرة "الغنج والتميع" لدى بعض الشباب، الأمر الذي انعكس سلبا في بروز سلوكيات غير سوية بين صفوف الشباب، ابتداء من ميوعة الكلام، واستخدام ألفاظ وطرق أنثوية في التعبير، مرورا بارتداء ملابس النساء والتصرف بطريقة بعيدة عن المفهوم الاجتماعي للرجولة". وأبان أن من أبرز أسباب عدم وضوح الهوية الجنسية لدى بعض الشباب هو الغزو الثقافي والتشبه ببعض الشخصيات المشهورة، كذلك عدم وجود برامج متخصصة في الثقافة النفسية والجسدية وحتى الجنسية لدى الشباب، كما زاد أن من الأسباب إهمال دور برامج التنمية البشرية لتطوير مهارات الشباب واستغلال أوقاتهم بما يعود عليه بالنفع. وأوضح المستشار النفسي بأن علاج الشق الجرمي في الموضوع يتركز في التوعية الكاملة من جانب، وردع المبتزين من جانب آخر، وقال "قيام البعض بتقمص دور الأنثى قد يكون جزءا من أسلوب حياتي معاد للمجتمع والفطرة، بهدف إيذاء الآخرين، واستغلالهم فيما بعد، والتحايل عليهم، وهذا النوع بحاجة إلى ردع وأسلوب عقابي صارم، حتى نحمي المجتمع من مشاكل لا تحمد عقباها". وأوضح الدكتور الشربيني أن المشكلة يمكن الحد منها عن طريق التربية المتوازنة للأبناء، والابتعاد عن صراع الأدوار لدى بعض الأسر، إضافة للاستفادة من تطورات علم النفس المعرفي والإكلينيكي في تصحيح الأفكار والسلوكيات الخاطئة لدى بعض الأفراد، من خلال تشخيص واكتشاف الحالات المرضية التي تحتاج لأكثر من دعم نفسي واجتماعي. وأكد أن من الأهمية بمكان التمييز بين ظاهرة التميع وظاهرة تقمص دور الأنثى، فالتميع أو الغنج قد يرضي بعض الاحتياجات النفسية والجنسية لدى المراهقين تحت ظروف الواقع البشري والاجتماعي. أستاذ الفقه المقارن بجامعة تبوك ماجد بلال شربه قال "إن تقليد أصوات النساء بهدف الابتزاز وفتنة الشباب، وأخذ أموالهم بغير وجه حق، لا يجوز شرعا، بل هو من كبائر الذنوب، مشيرا إلى أن تقليد صوت النساء من أسباب غواية الشباب، وانجرافهم إلى الرذيلة، وأن المقلد يحمل أوزار كل من أغواهم". وأضاف أن "الحل هو التذكير بأحاديث التشبه، وتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى يعلم الشباب خطر هذا العمل الشنيع وعقابه عند الله، ومن الحلول أيضا تذكير الشباب بمراقبة الله، وعدم الالتفات إلى أي اتصالات مشبوهة، والتذكير بالفضيحة والخوف على المحارم، وأن كل طريق لا يرضي الله فإن عواقبه وخيمة، وأن المكالمات المحرمة طريق للضياع والإفلاس".