بزعم توفير الحماية أحياناً وإثبات الذات في أحيان أخرى، تنسى بعض الفتيات أنفسهن ويسرن في طريق التشبه بالرجال سواء في الكلام أو نوعية الملبس أو حتى السلوك.. وبزعم الرقي ومسايرة الموضة، يفضل بعض الشباب تقمص دور المرأة؛ زياً وفعلاً وقولاً، لنجد أنفسنا في الأخير أمام حالة مثيرة للجدل؛ نساء بلا أنوثة ورجال فاقدون لمقومات الرجولة. هذا هو جوهر ظاهرة المتشبهات من النساء بالرجال والتي يطلق عليها (البويات)، والمتشبهين من الرجال بالنساء (البناتية)، والتي باتت من الأمور المقلقة في الشارع السعودي.. صحيح أن الظاهرة ما زالت هامشية، وبلا تأثير حقيقي على مجتمع يعتز بقيمه التي تكرم الرجل والمرأة وتنظر لتمايزهما كسنة من سنن الله، وسبب من أسباب عمران الكون وتقدمه. تاريخ مجتمعنا يشهد بأن المرأة المسترجلة، أي التي تأتي بسلوكيات خشنة لا تستقيم مع طبيعتها منبوذة من قبل الأسرة والأصدقاء, لكن هذا الوضع شهد تغييراً نسبياً في الفترة الماضية، إذ بدت مثل هذه السلوكيات معتادة، خاصة مع حديث البعض عن وجود مبررات تقف خلفها. في المقابل، ما زال المجتمع يرفض السلوكيات الأنثوية التي تصدر من الرجل (البناتية) ويعتبرها عيباً في حق الرجولة بكل ما تحمله من معنى وقيمة. ويؤكد كثيرون أن هذه الظاهرة حديثة العهد بالمجتمع السعودي في حين يرى البعض أنها لا تتعدى أن تكون جزءاً من مرحلة المراهقة والطيش سرعان ما تنتهي حين يدخل الولد مرحلة الرجولة الحقيقية.
في المدارس والجامعات تتجلى ظاهرة (البنت البوي) بشكل ملحوظ للعيان في نطاق الجامعات والكليات والمدارس. بل إن مثل هذه البنت قد تحظى بالتشجيع والإعجاب من قبل أترابها اللاتي يتفاخرون بصحبتها. مثلاً هند التي تدرس بكلية الآداب للبنات (قسم العلوم) تقول: "لا أشعر بالخجل من صديقتي (و. ه) الملقبة بسمير بل على العكس هي أفضل صديقة عندي". هند ترفض الحديث عن صديقتها بسوء، ولا ترضى أن يعتبرها أحد أنها شاذة، "لأنه من حقنا أن نعيش بالطريقة التي تعجبنا دون مضايقات أو تدخل ممن لا يعنيه أمرنا" .. هكذا قالت ل (عناوين). أما (أ , غ) وهي فتاة مسترجلة وخريجة من ذات الكلية فتعتقد أن الفتاة المسترجلة "مجرد فتاة قوية الشخصية, لا تستطيع إخفاء قوتها الهائلة التي قد تغلب قوة الرجال" . وتضيف "الله هو الذي خلقها وأوجد فيها القوة الظاهرة فلا يمكنها إخفاءها لأجل حساب الناس والقيل والقال.. كيف تغير صوتها وتنعمه إذا كان صوتها غليظاً أو سلوكياتها جريئة بأن تضفي عليها حياء مزيفاً لماذا الخداع والتظاهر بما ليس فيها؟".
أما الشكل والملبس، فهي أمور تدخل حسب وجهة نظر (أ , غ) ضمن حرية الإنسان الشخصية. وفضلاً عن ذلك تقول "أنا لا أقلد الشباب ولكن أحب ارتداء ما يناسبني وما يريحني من ملابس فضفاضة. كما أن قصة شعري يجب أن تتناسب مع ملامح وجهي, أما الإكسسوارات الغريبة فهي أيضاً تعبر عن شخصيتي لأني أحب روح المغامرة واكتشاف الأشياء الغريبة". لا جديد طبعاً في كلام (أ , غ) ، فهي تحاول أن تبرر سلوكها.. الجديد هو وجود شباب يتقبلون هذا الكلام ويعتبرون البنت المسترجلة أفضل من غيرها.. هذا ما سمعته (عناوين) من الشاب (يحيى . ه) الذي قال إن صديقة شقيقته والتي تصغره بأعوام قليلة ولا يناديها إلا باسم (بسام) أفضل من الأخريات. أما السبب وراء قناعته هذه، فيرجع إلى أن "شخصيتها محببة وقريبة من الشباب وعقليتهم.. هي غير متكلفة أو متصنعة في تصرفاتها ولكنها تتصرف على طبيعتها" حسب قوله.
(البويات) في عملهن (علي . ك) لا يقبل المنطق السابق، ويؤكد كراهيته للتحدث مع امرأة مسترجلة. علي قال ل (عناوين) : "أنا موظف في إحدى الشركات ولدينا قسم نسائي بالشركة وخلال عملي لعدة سنوات تحادثت مع عدد من موظفاتنا, وأكثر ما أزعجني هو التعامل مع المرأة المسترجلة التي تتحدث معك وكأنك حشرة لديها". وأضاف قائلا: "كنت مجبراً على التعامل معها ولولا العمل ما تحدثت إليها يوماً, وأذكر أنها ذات مرة أفقدتني صوابي فكدت أن أصفعها على وجهها لتطاولها بشكل غير مقبول علي في الحديث ورفعها لصوتها بنبرة رجولية لولا أنني تمالكت أعصابي وتدخل الزملاء بيننا". ذكريات علي مع المرأة المسترجلة لا تخلو من طرائف يتذكرها الرجل دون أن يخفي ضجرة، ففي أحدى المرات سبت الموظفة التي يكرهها زميلاً له فشعر الأخير أمامها برهبة، ولم يستطع الرد، فلما سئل بعد ذلك عن سبب صمته قال: "كنت مشغولاً لحظتها بتخيل طريقة تعاملها مع زوجها في المنزل".
وتحكي أم رعد أن زوجة أخيها مسترجلة حتى بعد زواجها لدرجة أنها جعلت هذا الزوج يكره جميع النساء ويعتقد أن النساء في الأصل رجال لكن الله غضب عليهم فقلبهم نساء في الشكل ولكن بطابع رجولي في التصرف.
البنات يرفضن (البناتية) على الجانب الآخر تثير ظاهرة الشباب المتستأنث (البناتية) ضيق الفتيات، لأن الرجل يُعرف بسلوكه لا باسمه.. (مريم . ح) موظفة في أحد المستشفيات الحكومية مستفزة من كثرة زملائها الذين يتميعون في الحديث ويتصرفون بشكل لا يدل على رجولتهم الغائبة, وتقول: "كثير من زملائي الشباب أشعر عندما أتحدث معهم أنني أنا الرجل" . مريم تضيف: "يغيظني اهتمامهم الزائد بمظهرهم. كما يضايقني ارتداؤهم الملابس الضيقة اللاصقة بالجسد, وحرصهم على استخدام الإكسسوارات الناعمة والسلاسل وإطالة الشعر, هذا فضلاً عن قيامهم بترقيق الصوت أثناء التحدث مع الآخرين". أكثر من ذلك لاحظت مريم أن بعض الشباب يستخدم الروائح والعطور النسائية الهادئة ، بل إن منهم من يحمل جوالات ذات طابع نسائي.. وتتساءل مريم في نهاية حديثها: "لا أعرف كيف يتعاملون مع أسرهم؟ ولا كيف تتعامل أسرهم معهم في ظل إصرارهم على الحياة بهذه الطريقة؟
بحثاً عن تحليل الطب النفسي يقول إن لكلا الجنسين سلوكيات معاكسة قد تصل لمرحلة المرض. ويشرح الأستاذ المساعد في كلية التربية والآداب في جامعة الحدود الشمالية الدكتور نائل الأخرس المقصود بذلك قائلاً: " لكل رجل جانب أنثوي، يعني أن للرجل سلوكيات أنثوية, كذلك للمرأة جانب رجولي، أي سلوكيات ذكورية، قد تتحول فيما بعد إلى مرض نفسي إذا لم يتم تداركها". وأضاف الأخرس: "قد تكون بعض الحالات والسلوكيات مرضاً وتحتاج إلى علاج", مشيراً إلى صعوبة معرفة مدى انتشارها بالمملكة كونها حالات غير مقننة.
أما بالأردن، فيؤكد الأخرس أنه تم عمل دراسة قام بها شخصياً وهي تخص مرض الذكورة والأنوثة وتم من خلالها الكشف عن وجود 5% تقريباً ممن يعانون من هذا المرض.
وترجع الأخصائية النفسية ترحيب عبد الباسط الظاهرة للعادات الخاطئة في النشأة الأولى قائلة: "هناك بعض الأمهات يربين الطفل بهذا السلوك الخاطئ وتستحليه, كأن يكون جميع أطفالها ذكوراً وترغب بأنثى فتبدأ بتلبيس ابنها الأصغر على سبيل المثال ملابس البنات وتهتم بشكله وتلبسه الملابس ذات الألوان الزاهية البناتية, كذلك الأب قد يرغب بمولود ذكر ولديه البنات فقط فيعامل ابنته على أنها ذكر, وهكذا تستمر المسألة حتى يفقد هذا الطفل هويته, كما أنه قد يكون في المحيط الأسري أو المنزل نماذج تعمل هذه السلوكيات وتسبب خللاً في ميول القريبين منها". وتضيف عبد الباسط: "هناك بعض الحالات هي في الأصل حالات مرضية ناتجة عن خلل في التركيبة الفسيولوجية منذ الولادة وتحتاج إلى مساعدة وتقويم وجراحة كما يعرف ب(الخنثى) أو الجنس الثالث". كما ترى أن ما يعرض في التلفاز له أثره في سلوكيات وتصرفات الشباب والفتيات في وقتنا الحاضر, فقد تكون بعض السلوكيات نابعة من التأثر بما يشاهده الشاب والشابة عبر الشاشة من شخصيات تطالب بالحرية وتدعو لمثل هذه الممارسات, مشيرة إلى أن الدافع الرئيس هو لفت الانتباه وإثبات الذات لأن بعض السلوكيات تكون سلوكيات مضادة للمجتمع وتأتي بكل ما هو غير مقبول سواء من الكتابة على الجدران أو عكسية السلوكيات الذكورية والأنثوية, من باب إيجاد صدمة في وجه البالغين الآخرين. وتطالب عبد الباسط بالعلاج قبل تفاقم المشكلة، مشيرة الى ضرورة بدء العلاج من الطفولة وتحديداً في سن ال3 سنوات. وتقول: "عندما تلاحظ الأم على طفلها أو طفلتها صورة عكسية للهوية كأن يلعب الولد بألعاب البنات ويتحدث بطريقتهن فعليها تعليم الطفل دوره الذي يفترض أن يقوم به والرضا به وأن تجعله يتقبل ما هو عليه قبل تطور الحالة وتأصلها فيه. عليها أيضاً أن تعرفه مميزات وضعه منذ البداية, لأن المعالجة بعد تفاقم المشكلة تكون صعبة تتخذ". وتنصح عبدالباسط كذلك بعدم تحميل الطفل أو الطفلة فوق طاقته، فقد يؤدي ذلك إلى كبت وسخط وردة فعل عكسية خاصة عند البنات، ومن أمثلة ذلك أن تجبر الأم ابنتها على الجلوس في البيت لأنها بنت وأن لا تفعل كذا لأنها بنت.. فتتولد لديها حالة من الرفض لما هي عليه وتتصرف بطريقة خشنة مسترجلة لسخطها على وضعها السابق. وشددت عبد الباسط على أهمية ألا تقابل هذه السلوكيات بالرفض في المجتمع أو التجاهل لأن هذا التصرف من خاطئ بحق هؤلاء الأفراد كونهم خسروا كل شي في منظورهم الشخصي ولم يعد لديهم شيء آخر يخسرونه , وإنما المفترض هو إيجاد عملية توازنية بالحوار والإقناع والتفاهم معهم, لأن الحوار يخلق لهم مجالاً لأخذ فرصة أخرى لتغيير سلوكياتهم وإعادة النظر في ممارساتهم الفعلية.