في خطاب ألقاه أمام أعضاء حزبه في محافظة كربلاء 2007، رد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي على مخاوف أحد الحاضرين من فقدان السلطة قائلا: "لن نتركها حتى يأخذها غيرنا". ثم عجت القاعة بعاصفة من التصفيق والأهازيج تعلن ولاءها وكأنها تجدد البيعة للمالكي الذي يوصف من قبل خصومه بأنه "أصبح ديكتاتوراً لا يختلف عن صدام حسين". ولم يكن أحد يتوقع في 2005، أن يصبح المالكي مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان لمنصب رئيس الوزراء، وكانت الأنظار تتجه نحو إبراهيم الجعفري وعادل عبدالمهدي، ولكن بسبب رفض الأول من قبل التحالف الكردستاني و"جبهة التوافق" و"القائمة العراقية"، تولى المنصب. وخلال السنوات الأربع من عمر الحكومة السابقة، انسحب منها وزراء "التوافق" و"العراقية" و"التيار الصدري" المنضوي ضمن "الائتلاف العراقي الموحد" الذي يضم أيضاً حزب "الدعوة الإسلامية" بزعامة المالكي. احتقان طائفي ولم تشهد البلاد حالة من الاستقرار الأمني والسياسي نتيجة احتدام الاحتقان الطائفي، وكادت تصل الأمور إلى حد نشوب حرب أهلية. وحالة التشرذم والانقسامات داخل الائتلاف والتحالف الواحد أصبحت علامة بارزة. ففي 2009 وقبل خوض الانتخابات المحلية السابقة، أعلن تشكيل "ائتلاف دولة القانون" ليمثل قائمة المالكي الذي اكتسب تأييد شركائه بعد تنفيذ عملية "صولة الفرسان" في محافظة البصرة لملاحقة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران. وهذا الموقف جعله يحظى بتأييد قوى أخرى طالما اشتكت من ممارسات تلك الميليشيات. وبعد إعلان نتائج الانتخابات، حصل "دولة القانون" على معظم مقاعد مجالس محافظات وسط العراق وجنوبه، وتقلص حجم تمثيل "التيار الصدري" و"المجلس الأعلى الإسلامي" في العراق بزعامة عمار الحكيم. فتيل الأزمة ائتلاف دولة القانون الذي يعد واجهة ل"حزب الدعوة" توفرت له أرضية مناسبة لخوض الانتخابات التشريعية في 2010، وعلى الرغم من استخدامه موارد الدولة وامتلاكه تأييد معظم عناصر الأجهزة الأمنية كما أعلن وقتذاك، حصل على 89 مقعداً في البرلمان فيما حصلت "العراقية" بزعامة إياد علاوي على 91 مقعداً. وتوزعت المقاعد الأخرى البالغة 325، بين "التحالف الكردستاني" و"التيار الصدري" وممثلي الأقليات. وفي يوم إعلان النتائج، كشف "دولة القانون" عن تشكيكه بها، مطالباً "المفوضية" بإجراء العد والفرز يدوياً. وكانت هذه الخطوة بمثابة إشعال فتيل أزمة جديدة في اتساع الخلاف حول المادة الدستورية التي تنص على من يتولى تشكيل الحكومة، علما أن "العراقية" دستورياً، صاحبة الحق وزعيمها إياد علاوي هو رئيس الوزراء. الدور الإيراني دولة القانون تخلى عن حلفائه السابقين "المجلس الأعلى" و"التيار الصدري" و"حزب الفضيلة"، الذين خاضوا الانتخابات بقائمة "الائتلاف الوطني العراقي". وعندما شعر الائتلافان أن رئاسة الوزراء المتفق عليها توافقيا على أنها من حصة الشيعة بالاتفاق مع الكرد، توحدا في "التحالف الوطني" الذي يقود الحكومة الحالية بعدما فسّرت المحكمة الاتحادية المادة الدستورية بأنها تعطي للكتلة الكبرى في البرلمان حق طرح مرشحها لتشكيل الحكومة، فضاعت فرصة "العراقية" وإياد علاوي في الحصول على المنصب. وقيل إن إيران كانت وراء تشكيل التحالف بائتلافيه "العراقي" و"دولة القانون" فأذعنت أطرافه لتلك الضغوط، وتخلت عن مواقفها السابقة برفض ترشح المالكي لمنصب رئيس الوزراء، وكانت تفضل عادل عبدالمهدي. اتفاق أربيل استمرت مفاوضات تشكيل الحكومة نحو ثمانية أشهر، وبمبادرة من رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني طرح اتفاق أربيل وتم تقاسم مناصب الرئاسات الثلاث فأصبح المالكي رئيساً للحكومة وأسامة النجيفي من "القائمة العراقية" رئيساً للبرلمان وجلال طالباني للجمهورية، على أن يتولى إياد علاوي رئاسة المجلس الوطني للسياسات العليا. وبموجب الدستور يتم انتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء البرلمان، وبدوره يكلف مرشح الكتلة الكبرى في تشكيل الحكومة، وتم تقاسم المناصب الوزارية باعتماد الاستحقاق الانتخابي وأسلوب الترضية والتسوية بدعوى ضمان مشاركة مكونات المجتمع العراقي في الجهاز التنفيذي، وطرح الكرد ورقة متضمنة 19 فقرة على المالكي ألزموه بتطبيقها مقابل دعمه، والمنصب المقترح لعلاوي خضع للتسويف والمماطلة. ما بعد الاحتلال بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق نهاية 2011، اندلعت الأزمة السياسية نتيجة اتساع الخلاف بين الأطراف المشاركة في الحكومة. فإقليم كردستان طالب المالكي بتنفيذ ورقة مطالبه، والقائمة "العراقية" أخذت تبحث عن مصير المجلس الوطني للسياسات العليا وحقها في الحصول على منصب وزارة الدفاع. وتوجت الأزمة بصدور مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وإبعاد نائب رئيس الوزراء القيادي في "العراقية" صالح المطلك من منصبه لوصفه رئيس مجلس الوزراء بأنه "أسوأ ديكتاتور"، و"التيار الصدري" هو الآخر كان يتطلع لإطلاق سراح معتقليه والحصول على مناصب في الأجهزة الأمنية، وهي شروطه التي وضعها أمام المالكي قبل أن يعلن دعمه له ليشغل المنصب. أربيل - 2 في هذه الأجواء الخلافية بين الأطراف المشاركة في الحكومة وصلت الأزمة إلى عقد اجتماع "أربيل - 2" في مارس الماضي، وأعقبه آخر في النجف بدعوة من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر. واتفق المشاركون في الاجتماع من زعماء "العراقية" و"التحالف الكردستاني" و"التيار الصدري"، على سحب الثقة عن المالكي، الأمر الذي يتطلب ثلثي أعضاء مجلس النواب (164 صوتاً)، لإبعاده عن منصبه. و بضغط من رئيس الجمهورية، تحول سحب الثقة إلى استجواب في البرلمان وهذا الخيار لم يتحقق أيضاً. أطراف سحب الثقة متفقون على أن المالكي تنصل من اتفاق أربيل، ويتوجه نحو الاستبداد، وهذه القناعة لم تستطع أن تبلور موقفاً قادراً على إبعاد رئيس الحكومة من منصبه، ولا سيما أن أصحاب هذا الخيار أعلنوا أنهم يمتلكون "أدلة وشواهد كثيرة على التفرد بالسلطة من قبل رئيس الوزراء، لذا لا ينبغي السكوت عن هذا الأمر وإلا سيتحول إلى الانفراد الكلي بالسلطة وبالتالي تكبت إرادة الشعب العراقي وتصادر الحريات العامة والخاصة والحقوق المدنية". تعطيل إيراني - أميركي المجتمعون في أربيل والنجف وأربيل اختاروا سبيلين لحل الأزمة: الأول تنفيذ مباشر وفعلي لاتفاقية أربيل التي على أساسها تم تشكيل الحكومة. والثاني: طلب الاستجواب وسحب الثقة من الحكومة الحالية وفق الدستور في حال لم تنفذ الحكومة اتفاقية أربيل وإجراء إصلاحات سياسية عاجلة. وتعزو أطراف سحب الثقة تعطيل خيارها إلى التدخل الإيراني في الشأن العراقي، ودخول الجانب الأميركي كطرف داعم لرئيس الحكومة، إذ اتصل نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بقادة سياسيين ودعاهم إلى اعتماد الحوار لحل الأزمة السياسية، كما أرسلت إيران وفودها للضغط على أصدقائها من القوى الشيعية بالتراجع عن سحب الثقة. واستطاع المالكي اختراق "القائمة العراقية" بإحداث انشقاقات بداخلها ومنح معارضي علاوي وعوداً بالحصول على مناصب، واستجاب لطلباتهم بإطلاق سراح معتقلي محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار ونينوى، وسخّر إعلام الدولة للنيل من الخصوم بإثارة ملفات، في حين طرح "التحالف الوطني" ورقته الإصلاحية كعلاج أخير للأزمة. كل هذه العوامل أحبطت تطبيق خيار سحب الثقة، لكن الأزمة بين بغداد وأربيل أخذت طابع التصعيد. عجز أمني خيار سحب الثقة لا يزال قائماً، لكنه مؤجل إلى حين عقد المؤتمر الوطني الذي دعا إليه الرئيس العراقي جلال الطالباني وسط عجز الأجهزة الأمنية عن حفظ أمن المواطنين. وفرضت المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية على معارضي المالكي اللجوء لتخفيف لهجة المطالبة بسحب الثقة عنه خشية أن تنتقل الأزمة إلى الشارع، بجعل الأوساط الشعبية وسائل لأطراف الصراع السياسي. اليوم وصلت الأزمة إلى مفترق طرق: إما عقد الاجتماع الوطني أو الذهاب نحو حكومة أغلبية سياسية يقودها المالكي ويشارك فيها من يدعم مواقفه، وهم من المنشقين عن "القائمة العراقية". إلا أن "التحالف الكردستاني" وقف ضد هذا التوجه عندما أعلن رفضه المشاركة في حكومة تستبعد قائمة إياد علاوي.