قرأت في صفحة (نقاشات) بصحيفة الوطن العدد 4397 بتاريخ السبت 27/ 11/ 1433 مقالا للأخ عوض علي الوهابي بعنوان (الليبرالية بين قيم الغرب وثوابتنا الشرعية)، وقد كان يتحدث عن مفهوم (حرية الفكر) بين الغرب وبين المسلمين، وأحببت أن أعلق على الموضوع ببعض النقاط: - أولا هذه المرة الأولى التي يعبر فيها الغرب عن استيائه ورفضه للفيلم المسيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنت اعتبرت ذلك مقياسا لقيم الغرب، فأين كانت قيم الغرب أيام الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأين كانت والمسلمون عامة يُوصمون بالإرهاب ويتعرضون لأقسى أنواع الإهانات، وأسوأ أساليب التفتيش، إن الأمر لا يُعبر عن قيم بقدر ما هي موازنات تفرضها المصالح السياسية والاقتصادية بل والانتخابية!. - ثانيا أنت استخدمت هذا الموقف الغربي للإسقاط على الليبرالية والليبراليين في المملكة، وأنا هنا لست بصدد الدفاع، ولكنني أود توضيح بعض الحقائق، فالليبرالية كمصطلح وكمفهوم تظل محل خلاف كبير في المجتمع السعودي، ما بين رافض لها – وللحوار حولها – تماما باعتبارها فكرا غربيا هداما، وما بين قابل لها بكل ما فيها من محاسن ومساوئ! وما بين ناظر لها كنتاج فكري بشري فيه محاسن وفيه مساوئ، مثلها مثل الإنترنت والجوال، وأنه ينبغي أخذ المفيد والحسن منها، وترك ما سوى ذلك، أما من ناحية التعريف فكل التعريفات العلمية المعتبرة (لليبرالية) تصب في خانة (حرية الفكر المقيدة) لكن هناك من يركز على أنها (حرية الفكر) بالإطلاق، للتنفير من المصطلح والفكر عموما، ثم أن الكاتب ركز على الوجه السلبي ربما لليبرالية المُتمثل في قضايا المرأة ودُور السينما وغيرهما، لكن الحقيقة أن لليبرالية وجهها الإيجابي، وسأتحدث هنا عن المراحل التي بها مرت (الليبرالية السعودية الإيجابية) إن جاز لي التعبير سواء من حيث الفعالية في المجتمع وخدمته والتأثير فيه، أو حتى من حيث التسمية، وفقا لتعريفها بأنها (الفكر الحر – المُخالف للسائد – وليس المخالف لثوابت العقيدة الإسلامية) فمن حيث الفعالية في المجتمع كانت البداية مع توحيد المملكة، من خلال استيراد السيارات والطائرات والهاتف وغيرها من وسائل الحياة الحديثة، التي واجهت معارضة شديدة من الذين رأوا في هذا الأمر مخالفة لثوابت الدين الحنيف، نتيجة فهم خاطئ لتعاليم الإسلام الواسعة والسمحة، وتكرر الأمر حين طُرحت لأول مرة فكرة فتح المجال لتعليم البنات، حيث جوبهت الفكرة برفض تام من قبل البعض، ودعمها أصحاب (الفكر الحر) فانتصرت، ثم تجدد الصراع مع ظهور (الدش) و(جوال الكاميرا) و(الإنترنت) وكل جديد تطرحه الحضارة التقنية المتسارعة، لكن الصراع وصل أخيرا إلى مرحلة قاسية، حيث أصبح يتم نسبة كل مظهر فساد في المجتمع إلى الليبرالية، وإلصاق كل التهم بها، والتحذير منها وإنكار أي دور لها في خدمة الوطن والمواطن، وتطور المجتمع ووعيه. وهي ما يمكن تسميته بسياسة (الإلصاق)! وهو أمر مُجحف جدا، فمع اعترافنا أن الفكر الليبرالي حتى في مصدره قارة أوروبا، يصل أحيانا إلى حد الخروج عن الدين ومخالفة الفطرة الإنسانية، إلا أن هذا لا يعني أنه ليس لليبرالية وجهها الحسن والمقبول والمضيء، حالها كحال غيرها من الأفكار والنظم البشرية كالسياسة والرياضة والاقتصاد، بل إن أوروبا ذاتها مدينة لليبراليين (أصحاب الفكر الحر) بالكثير من الحركات التنويرية. تخيلوا معي حياتنا بدون الوسائل الحديثة، نحن لا ننكر وجود (قلة) ممن أخذوا الفكر الليبرالي حتى بمساوئه، وركزوا كما قال الأخ عوض على قضايا المرأة ودُور السينما على سبيل المثال، لكن دعونا ننظر للجزء الممتلئ من الكأس، وننظر لكم الإنجازات التي أسهم فيها الفكر الليبرالي الإيجابي، ثم نحكم. ولعل هذه الشواهد تبين أولا: أن (الليبرالية السعودية) – باعتبارها التسمية الأشهر – لم تطالب في يوم من الأيام بما يخالف ثوابت الدين الإسلامي، ولا بما ينقض إسلام المرء (كما يُشاع) إلا نتيجة سياسة (الإلصاق)، بل إن كثيرا مما تحقق كان لخدمة الإنسان ورفاهيته، وثانيا: أن مساوئ الليبرالية لا تُلغي مزاياها الكثيرة كفكر وتطبيق. وهذه هي الليبرالية التي نريدها لوطننا، الأخذ بأسباب الحضارة الحديثة مع المحافظة على قواعد وثوابت الإسلام. أحمد حسين الأعجم جازان