مثلما كان يعتبر الذهاب إلى الحج قديما حدثا غير عادي في حياة الأسر والأفراد، فإن العودة منه تعتبر شيئا يخلد في الذاكرة، فعادة ما ينتظر الأقارب عودة من يعرفونهم من المشاعر المقدسة، ويعدون لهم استقبالات خاصة، حيث تستقبلهم على أبواب المدينة النساء بالزغاريد والدعوات. ويتذكر الحاج "أبو محمد" عودة الحجاج إلى ديارهم قبل ما يقارب الربع قرن، ويذكر أن في ذلك الزمن لم يكن هناك وسائل اتصال ليعلم الأهل بعودة من ذهب للحج ليستقبلوه أثناء عودته، فكان جميع الأهل في كل قرية ينتظرون في مداخل قراهم سيارات الحجيج، والتي كانت تتميز بوضع بيارق على جوانب السيارة دلالة على أن ركابها من الحجاج، وما إن يروهم إلا وتبدأ مشاعر الفرحة، والبهجة، والسرور على الجميع، فتعلو الزغاريد، وعبارات الاستهلال، والتكبير، والتبريك لهم، وأشهر العبارات هنا كانت "حجا مبرورا وسعيا مشكورا". وأضاف أن "تلك العادات اندثرت في زمننا الحالي، فعلى الرغم من التقنية الحديثة، وتطور التكنولوجيا، إلا أن الحاج يعود من الحج وكأنه سافر للتنزه، أو لزيارة مدينة أخرى". ويعلق "أبو محمد" قائلا إن الحاج كان يعود وقد حمل معه من الهدايا ما يكفي لجميع الأقارب والأحبة، وعادة ما تكون تلك الهدايا عبارة عن مسابح، وحلويات تسمى "أصبع زينب"، وحلوى الصنوبر، وهي عبارة عن حبيبات صغيرة تشبه الحمص، ويكون للأطفال أيضا نصيب من تلك الهدايا التي كان أبرزها ألعاب التلفزيون، التي يرون من خلالها صورا لمكة، والمدينة، والمشاعر المقدسة". ويشير إلى ذلك المثل الشائع قديما بين الحجاج، الذي يقول "حج وحاجة وبيع مسابح"، ويقول "هو مثل يتردد كثيرا، ويتفق مع حال الحجاج المقبلين من الخارج الذين يأتون ببضاعتهم لعرضها في أوقات الحج، والتي تعتبر فرصة تجارة أيضا لهم". وتوافقه الرأي الخالة "أم هادي" التي ما زالت تذكر المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى الحج، وكيف كان وقع استقبالها ومن ذهب معها للحج والمشاعر الروحانية التي صاحبت ذلك والتي يفتقدها من يعود من الحج في وقتنا الحالي، وتقول "لعودة الحاج طقوس جميلة يستشعرها الحجاج، وكان الأهالي يترقبون عودة الحاج من مكة، وينتظرونه قبل عودته بيوم أو يومين، ويستقبلونه بمراسم فرح، تعلو فيها الزغاريد، وتنطلق الألعاب النارية، مهللين مكبرين". وتضيف أن "الحج رغم أنه لم يكن ميسرا كما هو الآن، فالحاج يتحمل مشقة السفر وعناء التعب، لكن كل ذلك يزول بمجرد عودة الحاج من حجته"، مشيرة إلى أنه لم يعد هناك استشعار بتلك اللحظات.