رغم انفصال السودان لدولتين شمالية وجنوبية إلا أن المشاعر المقدسة جمعتهما معا في مخيم واحد رغم تخصيص مخيمات لكل دولة. الحاج عباس علي ودفع الله البشير وإدريس القاضي حجاج شماليون التقتهم "الوطن" في مخيمهم وهم يستضيفون الحاجين محمود الفقيه وموسى أحمد من "دولة الجنوب" مؤكدين أن حالهما لم يختلف عن العامين الماضيين سوى في انفصال دولتهم إلى دولتين، ليجمعهم الحج وصلة القرابة. الحاج إدريس القاضي، من منسوبي وزارة الإعلام السودانية؛ يقول "نحن شماليون يطلق علينا العرب الرحل نتجاور على الحدود مع إخواننا الجنوبيين وتربطنا بهم علاقات نسب قديمة ومتجذرة من خلال رحلتين في العام الواحد ففي وقت الخريف يرحل سكان الجنوب نحو الشمال وفي وقت الجفاف والصيف نرحل نحن الشماليين إلى الجنوب طلبا لوفرة المياه والكلأ وهي رحلة شبيهة برحلة الشتاء والصيف القرشية" مشيراً إلى أن تلك الرحلات ينتج عنها زيجات ومصاهرة. ويؤكد إدريس عمق العلاقة التي تجمعهم بقولة "نحن هنا نستضيف إخواننا الجنوبيين في مخيماتنا والعكس كذلك" موضحا أنهم في يوم العيد كانوا بمخيم الجنوبيين للمباركة لهم بعيد الحج الأكبر. ولم يكمل إدريس حديثه عن حال علاقتهم بإخوتهم الجنوبيين؛ حتى التقط الحديث الحاج الجنوبي موسى أحمد ليؤكد أن التقارب والوحدة ما زالت تضرب أطنابها بين الشعبين في الدولتين، فقد تم تفويج حجاج دولة الجنوب هذا العام عن طريق دولة الشمال عبر مطار الخرطوم الدولي. "الوطن" رافقت الحجاج في جولة على المخيم حيث يقبع حاجان أبناء عمومة من الشمال والجنوب يعملان معا على إعداد "ترمس" عصير "آبري" بنوعيه الأبيض والأحمر، والذي يحضر من الذرة والماء والسكر ويضاف إليه الثلج، حيث تحلق حولهم عشرات الحجاج دون تمييز بين شمالهم وجنوبهم. خارج المخيم وفي الطريق المتفرع من جسر الملك عبدالعزيز باتجاه الجمرات، والفاصل بين مخيمات شمال السودان وجنوبه؛ لم يتغير المشهد منذ أعوام عدة، حيث يقبع فيه عدد من النساء والرجال لإعداد أكلات شعبية سودانية فتجد من يشتري "الكمونية" و"العدس" و"اللحم الأحمر والأبيض المقلي في الزيت" و"القراصة" و"العصيدة" و"إيدام الويكا" و"الرجلة" ولا تستطيع تمييز الحاج السوداني الجنوبي من الشمالي، وكأن هذا الشارع مشابه لما رواه الحاج إدريس عن "العرب الرحل" ورحلة الخريف والصيف، والتصاهر بين القبائل، لتتشابه مع هذا الشارع في التقاء الجميع لشراء الغذاء، وكأن الطبيعة تتدخل في تقوية الأواصر بين الدولتين.