عندما ترى أكواخهم ومساكنهم في سفوح جبال منى، تخالهم قد استوطنوا تلك الأماكن منذ زمن، ولكن بحكم خبرتهم التي اكتسبوها من الزيارات السابقة، ونحت الصخور، والأخبار التي تروى لهم عن طريقة السكنى في تلك الأماكن، تتأكد بأنهم إنما صعدوا تلك الأماكن هربا من عبارات "قم يا حاج" و"حج يا حاج" و"ممنوع الافتراش"، كل ما يلزمك إن كنت عاجزا عن حمل معول ونحت مكان سكنك بسفح الجبل، هو اعتلاء سفوح الجبال، وأوتاد حديدية وحبال وقطعة قماش أوعدد من الأخشاب لبناء كوخ خشبي. عبدالعزيز علي صالح (26) عاما، حاج يمني، استغل تماثل الطبيعة الجغرافية لمنى مع موطنه في اليمن، واستطاع بناء كوخ خشبي؛ ليكون مخيما بديلا له ولثلاثة من بني جلدته. تراه مبتسما وفرحا بعد نجاح رحلته في الوصول إلى المشاعر، والتي بدأها بالمشي قرابة 12 ساعة حتى دخل الحدود السعودية، ومن ثم تلقفه من أسماهم "بالمهربين" ليقوموا بإيصاله إلى مكةالمكرمة مقابل 2000 ريال، تنخفض في طريق العودة بعد انقضاء الشعيرة إلى 600 ريال. وعند سؤاله عن سبب تكبده كل هذه المتاعب، ولم لم يحج حجا نظامياً؟ أفصح عن عدم استطاعته تكاليف الحج، وإن ضيق الحال اضطره لهذه الطريقة، حيث أدى العمرة بمسجد السيدة عائشة، وتوجه فورا إلى موقعه بقمة الجبل. ويستطرد عبدالعزيز حديثه عند وصول 9 حجاج من الجنسية الباكستانية يحملون قطعة بلاستيكية وحبالا وعصيا خشبية وأوتادا حديدية، وقرروا نصب عريش لهم في حمى كوخه الخشبي، نشب نقاش حاد بينهم حول أحقية المكان، وبتدخل الحاج أمان الله (50) عاما أكبر الحجاج الباكستانيين سناً، اقتنع الجميع بأنه لا رفث ولا فسوق في الحج، ليتقسم الجميع الموقع بعد أن تشابهوا في كيفية الوصول مع اختلاف وجهات القدوم. الحاج أمان الله، كان أكثر تخوفا وحذرا في الحديث، ولم يفصح عن رحلته هو وزملاؤه إلا بقدر يسير من المعلومات، تمثلت في دفعهم مبلغ 500 ريال لكل فرد منهم لمهرب حجاج استطاع تجاوز نقاط المنع، حتى وصولهم لمكةالمكرمة ومثلها للعودة. انشغل الجميع في تجهيز الموقع في أعلى نقطة بسفوح جبال مشعر منى، بعد أن تأكدوا أنهم في مأمن، وأنهم سوف ينهون فريضة حجهم بعيدا عن التنظيم. "الوطن" عايشت رحلة الصعود لقمة الجبل لمدة نصف ساعة عبر سلالم خشبية صنعها المخالفون المتناثرون في سفح الجبل لتجد آثارهم، وآثار نحتهم لمواقع يمكثون فيها بمشعر منى طيلة أيام الحج، من خلال طريق متعرج وعر، وإن لم تكن حذرا لخطواتك فتأكد أن السقوط أو التقهقر للوراء سيكون حليفك، ولن تنجو من الإصابات.