تشكل الحرب الروسية المكثفة تحديًا كبيرًا للمجتمعات الأوروبية، حيث تدور في منطقة رمادية قانونية دون الوصول إلى عتبة النزاع المسلح التقليدي، مما يجعل استجابة الحكومات الغربية مقيدة بالإطار القانوني والمؤسسي القائم. فخلال العقد الماضي، طورت روسيا إستراتيجيات مكنتها من التدخل بشكل فعّال مع الإفلات شبه الكامل من العقاب، مستفيدة من ضعف الاستعداد السياسي في أوروبا. في هذا السياق، قدمت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي مقالا يناقش أبرز التحديات التي تفرضها هذه الحرب الهجينة، وأهم الأساليب المستخدمة فيها. الهجمات غير المادية تشمل الهجمات غير المادية «حملات التضليل والهجمات الإلكترونية»، وعددا لا يحصى من الحوادث المادية، بما في ذلك تخريب الممتلكات الخاصة أو العامة والبنية التحتية الحيوية، والهجرة الآلية، وشراء العقارات في المواقع الإستراتيجية، وتشويش نظام تحديد المواقع العالمي، ومؤامرات الاغتيال. لذا، فإن التنسيق الإقليمي بين بلدان الشمال والبلطيق يعد أمرا بالغ الأهمية في الاستجابة لعدوان المنطقة الرمادية الروسية، فلا يمكن للبلدان الأوروبية مواجهة التهديد المتزايد بشكل فعال إلا إذا عملت معا. تعدد الأبعاد يوضح المقال أن التحدي الرئيسي في الاستجابة للحرب الهجينة الروسية هو تعدد أبعادها، حيث يمكن أن تشمل الحادثة الواحدة عناصر تتعلق بالأمن القومي، والقانون الدولي و/أو سيادة القانون المحلية، والمعضلات الأخلاقية. بالإضافة إلى ذلك، هناك دائما بُعد معلوماتي مرتبط بالهجوم، حيث يستخدم مرتكب الهجوم الجسدي الحادث كأداة لحرب المعلومات، والهدف هو تضخيم تأثير العملية في منطقة محدودة ماديا. على سبيل المثال، لا يعمل الضغط على بلد مجاور عن طريق إرسال أعداد كبيرة من المهاجرين إلى حدوده إلا إذا كان المجتمع المستهدف على دراية بوصولهم، ويحفز الرأي العام، ويثير رد فعل سياسيا. والأسئلة التي يهتم بها المعتدي هي: كيف يتفاعل المجتمع المستهدف؟ كيف تبدأ التقارير الإعلامية عن الحادث؟ هل ينجح الهجوم في نشر الخوف؟ ما مدى استعداد المسؤولين؟ حوادث العدوان إن أكثر التهديدات وضوحا للأمن القومي للبلدان المستهدفة هي حوادث العدوان التي تقل عن عتبة النزاع المسلح، ولكنها تشمل عنصرا عسكريا. وأحد العناصر المتكررة في الذخيرة الروسية هو استخدام التدريبات العسكرية أو انتهاكات المجال الجوي من قِبل الطائرات العسكرية لأغراض التخويف. وتشمل أمثلة هذه المناورات العسكرية المخيفة ملاحظات في القطب الشمالي بالقرب من المياه النرويجية، والهجمات الجوية المحاكاة على النرويج، وربما الأكثر شهرة الهجوم النووي المحاكي على السويد خلال تمرين «زاباد 2013». وكثيرا ما ينشأ صراع بين الأمن القومي المباشر للبلد المستهدف ومصلحته الأمنية في حماية النظام الدولي القائم على القواعد، كما يتضح من مثال الهجرة الآلية. إغلاق الثغرات وفي حين أن إستراتيجيات التبصر والتأهب العام للأزمات يمكن أن تساعد المجتمعات على التعامل مع تأثير عدوان المنطقة الرمادية الروسية وتقليل فعاليته، فلا يوجد مجتمع محصن تماما، بينما تتفوق روسيا في تحليل الجمهور المستهدف، وغالبا ما تصمم هجماتها لاستغلال نقاط الضعف المحددة للبلد المعني، وغالبا ما تكيف التفاصيل مع السياق الجديد لتطبيق إستراتيجية كانت ناجحة سابقا ضد هدف آخر. ويبقى السؤال هنا ليس عن كيفية استباق كل هجوم وتجنبه، ولكن كيفية جعله غير فعال قدر الإمكان، مما يتطلب من السلطات أن تكون مستعدة للاستجابة بمرونة للاضطرابات غير المتوقعة. ونظرا لأن دول البلطيق ودول الشمال الأوروبي كانت أهدافا متكررة لعدوان المنطقة الرمادية الروسية منذ وقت طويل قبل غزو روسيا الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، فقد طورت طرق استجابة مختلفة بدرجات متفاوتة من النجاح. لذا من المهم أن تراجع البلدان الأوروبية تشريعاتها المحلية بانتظام، وتنظر في التعديلات كلما أمكن ذلك. القيم والأمن أثبت استغلال الهجرة أنه أحد أصعب التحديات التي يجب معالجتها، واختبرت روسيا هذه الإستراتيجية للمرة الأولى في 2015-2016 على الحدود الفنلندية والنرويجية، عندما أرسلت لاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعبور الحدود على الدراجات. في ذلك الوقت، حلت فنلندا الوضع مع روسيا من خلال اتفاق ثنائي، لكن لم يتم تقديم حل جماعي على مستوى الاتحاد الأوروبي. وتُظهر هذه الأبعاد المتشابكة أن الاستجابة للتدخلات الروسية تتطلب توازنًا دقيقًا بين الأمن الوطني والالتزام بالقانون الدولي والاستقرار المعلوماتي، والحفاظ على القيم الأخلاقية. ودون إستراتيجية شاملة ومشتركة، قد تستمر روسيا في تحقيق أهدافها بتكلفة قليلة، مع زعزعة استقرار الأنظمة الغربية. تحديات متعددة الأبعاد لسياسات الحدود الأوروبية في مواجهة الإستراتيجية الروسية: 1 - الأمن القومي تتمثل المخاطر الأمنية في إمكان استغلال روسيا طالبي اللجوء كأداة تخريبية، إذ يتبع حرس الحدود الروسي جهاز الأمن الفيدرالي، ما قد يدفع بعض طالبي اللجوء للقيام بأعمال تخريبية في البلدان المستهدفة. الهدف الروسي هنا ليس فقط زعزعة أمن هذه الدول، بل أيضًا تحميلها تكاليف مالية كبيرة نتيجة استقبال اللاجئين ومعالجتهم أو إعادتهم المحتملة. 2 - القانون الدولي منع طالبي اللجوء من عبور الحدود قد يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان المكفولة بموجب القانون الدولي. لذا تسعى روسيا من خلال هذه الأزمة إلى دفع الدول المستهدفة للاختيار بين حماية أمن حدودها أو الالتزام بالقيم الديمقراطية الليبرالية. كما تستغل روسيا الإجراءات غير القانونية، مثل الإعادة القسرية للاجئين، في تشويه صورة الغرب واتهامه بالنفاق، بالإضافة إلى إحداث أزمات قانونية داخل الاتحاد الأوروبي. 3 - البُعد المعلوماتي تلعب روسيا على عامل الانقسام الإعلامي والمجتمعي. ففي مثال الحدود الفنلندية، أسهمت إستراتيجية روسيا في إثارة جدل داخلي حول سياسات الإعادة، مما أدى إلى انقسامات داخل المجتمعات المحلية. هذه الانقسامات قد تتسع بين الدول الغربية نفسها إذا اختلفت أولوياتها بشأن الأبعاد المختلفة للأزمة، مما يعيق الوصول إلى استجابة موحدة. 4 - البُعد الأخلاقي عندما تؤدي سياسات الإعادة إلى وفيات بين طالبي اللجوء يتزايد الغضب العام داخل المجتمعات الأوروبية. وقد يُثار التساؤل حول مدى أخلاقية التضحية بالمعاناة الإنسانية لحماية الحدود، حتى إذا كان هناك خطر أمني يلوح في الأفق. وتهدف روسيا هنا إلى تضخيم الانتهاكات الأخلاقية لإجراءات الإعادة، مما يضع الحكومات الغربية تحت ضغط داخلي ودولي.