كتبت يوما مقالة بعنوان ( حيل نفسية تساعدك على القراءة ) وذكرت بأن من أحد الحيل التي تجعلك تستمر في القراءة عندما يصيبك الفتور - وقد جربتها مرارا ولازلت أطبقها إلى عهد قريب - هي ان تقف عند كتبك وتأخذ الكتاب الذي تنوي قراءته دون أن تجلس وتحدث نفسك بأنك لن تطيل المقام ، فقط دقيقة أو دقيقتان. وبالفعل اقنعت الذهن بأنني مستعجل ولدي مشاغل لابد أن اذهب إليها مباشرة فهي أهم من الكتب ونزوة القراءة العابرة التي باغتتني في هذه اللحظات والتي ليست من اهتماماتي وأولوياتي والتي سأنصرف عنها حالاً خلال دقيقة ! وتحقق المقصود ولم أدر بنفسي إلا وقد تعمقت في القراءة في احيان كثيرة متجاوزاً ساعة من القراءة المتواصلة - وقوفا وجلوسا - بعد ان حدثت نفسي بأنها لن تتعدى دقائق معدودة ! من هذه التجربة تأكدت بأن اللاشعور أو ( العقل الباطن ) يتبع الوعي الظاهر أو العقل الظاهر ويصدقه مباشرة كالطفل الذي لايميز الحقائق من الأوهام ، فقط كل ماعليك هو ان ترسل له المعلومات والإيحاءات والخطرات وماتود القيام به أيا كان، في كل شؤون حياتك. فكل ماتتخيله أو تعتقده يصدقه العقل الباطن خصوصا فترة ماقبل النوم لقوة تأثيره كما أثبتته التجارب والدراسات النفسية ، وذلك حينما تفكر في الأمور الايجابية وأنها ستتم حينما تتخيلها وكأنها قد تحققت بالفعل، لأن مانرسله ونفكر فيه بوعينا الظاهر يتشربه العقل الباطن ويصدقه، ويصبح لديه حافز قوي لتحقيق ما نريد، حيث ان دوافع اللاشعور حينها مجتمعة تحفز كل ماهو مسؤول عن تحقيق أهدافنا، بل تمهد للأخذ بالأسباب وإيجاد الحلول والوسائل المعينة على ذلك وتبسط السبل ، لأنها توجه المشاعر والسلوك إلى حيث نرغب، وإلى حيث مايسيطر على أذهاننا من قناعات وأفكار جديدة، أو ربما متحولة من الحالة السلبية إلى الايجابية، بفضل ما ترسخ وتعزز في دواخلنا من خلال عمليات التفكير الواعية وإشاراتها المرسلة . مما سبق يتأكد لنا بأن الإنجاز مهما كبر أو صغر يبدأ بخطوة أو بأقل من خطوة تدفعنا دفعا للأمام ، بل هي شرارة الوعي التي نقدحها في عقولنا فتشتعل وتعمل عملها في دواخلنا لتنير الطريق وتسهل لنا تحقيق ما نريد في حياتنا،أوعلى الأقل تجعلنا نقطع شوطا كبيرا من خلال الوعي للتخلص مما يجول في أذهاننا من الخواطر السلبية وعدم الإسترسال معها والإستسلام لها . وعن أهمية تأثير الوعي الظاهر في اللاشعور وعلى الشرارة الأولى، يحضرني هنا كلام قيم وجميل للأديب إبراهيم المازني حيث يقول في معرض حديثه عن طريقته في الكتابة في أحد الحوارات معه ما نصه : ( إذا بدأت الكتابة فيندر جدا أن أتوقف بعد ذلك ، ولكن الصعوبة هي أن أبدأ ، واستهلال الكلام هو الذي يحيرني دائما ويشق علي ، وأحسب هذا راجع إلى حالة عصبية أو إلى مايسمى " الإيحاء الذاتي " أعني الإيحاء الى النفس ، فقد ظللت أقول لنفسي كلما هممت بعمل أو قول أو كتابة أو مباشرة أي شي : إن الخطوة الأولى هي العسيرة والتي يكثر قبلها التردد حتى إذا خطاها الانسان صار مابعدها سهلا نسبيا على الأقل ، ظللت أقول هذا لنفسي وللناس حتى وقر في ذهني ورسخ في نفسي وبدأ أثره في كل ما أعالج حتى في شؤون الحياة العادية ) .