التكرار يولِّد الإصرار!!

يَستَخفُّ بَعض النَّاس بالتِّكرَار، ويَعتَقدون أنَّه عَديم الفَائِدَة، أَو أَنَّه يَستَدعي المَلَل والرَّتَابَة، ومَا عَلِمُوا أَنَّ تِكرَار الأَشيَاء -مَع الوَقت- يَجعلها جُزءا مِن حَيَاة الشَّخص، ولقَد صَدَق «نابليون» حِين قَال: (لَيس هُنَاك إلَّا بَلَاغة وَاحِدَة، وهي بَلَاغة التِّكرَار)..!
أَخرُج كُلّ صَبَاح عَلَى أُسرتي السّنَابيَّة، مُردِّدا عِبَارَات الأَمَل، ومُؤكِّدا أَنَّ «الحَيَاة تُنَادينَا»، وأَنَّ كُلّ يَوم نَعيشه، هو هَديَّة مِن الله تَعالَى لَنَا، فلنَشكُر الله عَلَى هَذه الهَدَايَا.. وقَد لَامني البَعض عَلَى تِكرَار هَذه العِبَارات كُل صَبَاح، ومَا عَلِمَ أَنَّ ظَاهِرة التِّكرَار هي أُم المَهَارَات، كَمَا أَنَّ التّكرار -مَع الوَقت- يُؤدِّي إلَى الإيحَاء، والإيحَاء يُؤدِّي إلَى تَمثُّل الأَشيَاء وتَطبيقهَا، ونَقلهَا مِن حَيّز القَولِ إلَى ميدَانِ العَمَل..!
لقَد تَعلّمتُ هَذا مِن شَيخي «علي الوردي»، حَيثُ يَقول فِي كِتَابه «خَوَارق اللاشعور»: (إنَّ الطَّريقَة الحَديثَة فِي استثمَار العَقل البَاطِن؛ هي طَريقة الإيحَاء والتِّكرَار، فالإنسَان يَستَطيع أَنْ يُوحي لنَفسه، ويُكرِّر عَليهَا قَبل النَّوم، وفِي أَي وَقت، بِمَا يَشَاء مِن مَعَاني فِي سَبيل حَلّ المَشَاكِل، أَو شِفَاء الأَمرَاض، أَو نوَال النَّجَاح، أَو غَير ذَلك. لقَد فَقد «الإنسَان الحَديث» نِعمة الإيمَان والعَقيدَة الرَّاسِخَة، فهو الآن يُفكِّر ويَتفلسف أَكثَر ممَّا يُصدِّق ويُؤمن. ولِذَا ضَاعت مِن يَديه قوَى جَبَّارة جدًّا، قوَى العَقل البَاطِن وحَواسه الخَارِقَة، لَا نُكران أَنَّه يَستَطيع أَنْ يَستَثمر عَقله البَاطن، بوَاسطة الإيحَاء والتِّكرَار، ولَكن هَذا الاستثمَار ضَعيف، بالنِّسبَة إلَى مَا كَان يَجنيه جدّه القَديم، مِن خَوَارق الإيمَان)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: أَيُّها النَّاس، إنَّ التِّكرَار لَيس مُملا فِي كُلِّ الأَحوَال، بَل هُنَاك التِّكرَار المُفيد الإيجَابي، الذي يُشعر الإنسَان بالطَّمأنينَة والهدُوء، وهَا هو المُسلم يُكرِّر فِي صَلاته: «اهدنَا الصِّرَاط المُستَقيم» عَشرَات المَرّات، فهَل مِن الصَّواب أَنْ نَقول: إنَّ التِّكرَار لَا يَجلب الفَوائِد والعَوائِد..؟!!