مشاعر الإنسان وسلوكه وتصرفاته في هذه الحياة تأتي تبعاً لأفكاره وما يعتقد سلباً أو إيجاباً بناء على وعيه الذاتي، فالحضور الذهني والانتباه لطريقة تفكيرنا وفهم مانشعر به - وبالسلوك الذي نتبناه نتيجة لذلك - في المواقف المختلفة في الاستجابة لها وردة فعلنا تجاهها وتجاه البشر والأشياء وكل ماحولنا، وهذا هو المقصود بحالة الوعي وهي حالة أو مرحلة متقدمة تتم حينما نستحضرها ونكون في حالة يقظة وتفكير في عملية التفكير نفسها من خلال (العقل الواعي)، ولذلك حينما يكون الاعتقاد والتوقع أو الظن إيجابي تكون المخرجات (السلوك والتصرفات) إيجابية والعكس صحيح حينما تكون سلبية. حوافز اللاشعور أو مايسمى ب(العقل الباطن) هو الذي بدوره يولد هذه المعتقدات وهذه الطريقة في التفكير، وهذه الحوافز اللاشعورية تخبيء بداخلها الأحداث والكلمات والشخوص وكل مايمر على الإنسان وكل ما ينطبع في ذهنه فتظل ساكنة ومدفونة إلى أن تظهر وتتحرك في لحظة من اللحظات ولأي سبب كان فتنفجر بالإيجابية والإبداع والنجاح وتحقيق الأهداف أو تكون مصدرا للسلبية وباعثة للشرور ومثبطة للعزائم والهمم. ما يكمن في النفوس من قناعات ومعتقدات في العقل الباطن ليس أمراً جديداً أو اكتشافاً طارئاً تفرد به العلم الحديث، بل لذلك أصل في الشرع، فالقرآن الكريم كثيراً ما يورد القصص والأمثلة ويكررها وينبه لقدرة الخالق عزوجل وآثاره في الكون في كثير من الآيات البينات من خلال التكرار والدعوة الى التخيل والتأمل لتترسخ في العقول، وهذه الاستخدامات والأساليب القرآنية هي مايسمى حديثاً بقوانين العقل الباطن، وأما السنة النبوية ففيها الكثير مما يدل على الاهتمام بتأثير قوة الفكر والاعتقاد في توجيه حياة الإنسان لما يسعده أو يشقيه حيثما أراد، فقد كان صلى الله عليه وسلم تعجبه الكلمة الطيبة ونشرها والحرص على ترديدها كما جاء في الحديث: (.. ويعجبني الفأل)، وكما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حيث قال: قال صلى الله عليه وسلم: يقولُ اللَّهُ تَعالَى: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ..) صحيح البخاري، فلو لاحظنا هنا لم يقل سبحانه: (أنا عند حسن ظن عبدي بي) بل جعلها مطلقة، لأن في الحديث القدسي وما بين سطوره معنى خفي وعميق ورسالة ربانية مفادها ان الإنسان نتاج أفكاره وما يعتقد، فإن ظننت بالله عز وجل ظناً واعتقاداً حسناً ستجده أمامك وستتحسن به جودة حياتك وستطمئن وترضى، وإن ظننت به ظناً سلبياً سيئاً ستكون ساخطاً وستشقى طيلة عمرك. وبمناسبة الحديث عن العقل الباطن وقوانينه جدير بالذكر أن أشير كذلك لمثال قرآني آخر مهم ومعنى جميل مرتبط بمخرجات ما نفكر به ونعتقده، فالتركيز على الإنجازات - ولو كانت صغيرة - والجوانب الإيجابية يجذب لك الخير وكل ما هو إيجابي ويزيد من تحقيقك لأهدافك وتغيير أفكارك وسلوكياتك الخاطئة، حيث يقول عز وجل: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) فمن الشكر المؤثر على طريقة التفكير هنا التركيز على ما هو موجود من خير ومن نعم فتكون النتيجة (لأزيدنكم) ليس في المال والنعم فقط بل زيادة في الهدوء والطمأنينة والرضا النفسي والتفاؤل والعيش في سلام داخلي كبير، وقوله عز وجل: (ولئن كفرتم) ليس فقط الكفر بالنعمة والأرزاق والطعام والشراب.. بل كذلك بالتركيز والتفكير على السلبيات وجوانب النقص وبالهموم والمشاكل اليومية - رغم ان الأصل هو النقص ووجود الابتلاءات - والنتيجة قوله تعالى: (إن عذابي لشديد) ومن العذاب التوتر والحزن والقلق والاكتئاب وما شابهها من علل النفس والروح، وحديث: (من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ) مقارب لهذا المعنى ؛ فكثرة التفكير السلبي والتركيز عليه باعث للقلق ويجعل الإنسان خارج دائرة الوعي الذاتي.