عندما تتزاحم المصالح الشخصية مع القيم الأخلاقية للفرد فلا مناص من اختيار احدهما. وهنا يتفاوت الناس في عملية الترجيح تبعاً لمستوى القناعة بأهمية القيم والمبادئ. يضطر الكثير منا للكذب احيانا سواء في المنزل او العمل او السوق لاسيما اذا شكل الصدق حرجاً بالغا كتفويت المصلحة المادية او الاضرار بالمنزلة الاجتماعية. وبعيداً عن الحكم الفقهي المعروف للكذب والاستثناءات المبسوطة في مضانها ارجو أن نتامل في جانبين يساعدانا على التخلص من هذه الرذيلة الأخلاقية. احدهما يتعلق بمستوى الرضا عن النفس والاخر بتبعات الترويج لهذه الخطيئه في الوسط الاجتماعي. يتكون الانسان من بعد مادي يتمثل في هذا القالب المنظور، وبعد معنوي نتلمس آثاره عند الرضا والغضب والفرح والحزن، وغيرها من الحالات النفسية المتكررة التي تعتري كل احد منا ولا يمكنه التنكر لها بل ويحرص على استقرارها. إن اهمال الانسان للبعد المعنوي من وجوده وتعريضه للتشوهات الاخلاقية يجره تدريجياً إلى حالة من الضنك في المعيشة تجعل منه مخلوقاً مادياً مشلولاً معنوياً يتحرك في الحياة منفعلاً لا فاعلاً ولا يعي منها إلا كل مطعوم ومشروب لينضم الى قافلة من المخلوقات التي لا تدرك ولا تعقل، ويندرس وجوده الإنساني ويبقى له هذه الصورة الظاهرة فقط. وبناءً على ذلك علينا ان ندرك أن استمراء الكذب واحتراف التدليس يحولانا مع الوقت إلى كائنات بغيضة لا يحبها احد ولا يثق بها احد،إلى جانب احساسنا بوخز الضمير وعدم الرضا عن النفس قبل أن نصل إلى مرحلة يموت معها ذلك الضمير إن كان حيا. وأما المصالح الشخصية الفائتة بسبب تجنب الكذب فلا داعي للتحسر عليها أو القلق بشأنها، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها بمكاسب الرضا عن النفس الناشيء عن تحري الصدق وما يليه من استقرار معنوي تنسحب آثاره على كل مناحي الحياة، ويسهم في ادارتها بشكل ناجح وتعامل السماء معه كعبد صالح. وأخيرا علينا أن ندرك بأننا ومن خلال ممارسة الكذب بشكل متكرر، فإننا نروج لهذه الخطيئه في مجتمع الكبار، ونعطي درسا عمليا في مجتمع الصغار، لنأتي يوم القيامه محملين بالأوزار، نعوذ بالله من ذلك.