اتفق اقتصاديون على أن الوضع الاقتصادي القوي الذي تتمتع به المملكة في وقت تتعرض فيه اقتصادات العالم لجملة من المحن والأزمات المالية الاقتصادية، يعود في المقام الأول إلى الاستقرار السياسي، ومكانتها العالمية كمصدر أول للطاقة، إضافة إلى السياسات المالية الانفتاحية، وما تقوم به الحكومة من التوسع في مشاريع البنى التحتية. وعلى الرغم من هذه القوة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، إلا أن الآراء الاقتصادية نبهت إلى أهمية أن تعتمد المملكة على الاقتصاد المعرفي المبني على البشر أكثر من المصادر الطبيعية. استقرار سياسي وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور أسامة فلالي ل"الوطن" إن المملكة تنعم بنعم كثيرة أهمها الأمن والأمان والاستقرار، وهو الأمر الذي هيأ لعجلة الاقتصاد أن تسير بحركة للأمام ومعدلات نمو معتدلة حتى في ظل الظروف التي تعانيها كثير من دول العالم من تقلبات اقتصادية وبطالة وانخفاض في سعر العملة وارتفاع الأسعار. وأضاف فلالي أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي جنب المملكة كل الهزات التي تشهدها الاقتصادات العالمية، في وقت يلحظ فيه انعدام الأمن والأمان في الدول المجاورة، التي عصف باقتصاداتها وسبب لها الكثير من المآسي الاجتماعية والاقتصادية. من جانبه يرى الخبير الاقتصادي فضل البوعينين أنه لا يمكن الفصل بأي حال من الأحوال بين التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة، في جميع المجالات، وبين الاستقرار السياسي الذي من الله به عليها، فأصبحت قادرة على تنفيذ خطط التنمية بعيدا عن منغصات المنازعات الدولية، أو التصادمات الداخلية، وحققت المملكة قدرا فائقا من التوازن بين متطلبات التنمية والنمو الثقافي، والتطور العلمي والتقني ومقومات المجتمع بما لا يخل باستقراره، ولا يقود نحو التصادم المدمر. مؤسسة الحكم وقال البوعينين إن الاستقرار السياسي، والأمني والاقتصادي السعودي، يُبنى في أساسه على استقرار الأسرة المالكة، ووحدة صفها، وترابط أفرادها خصوصاً فيما يتعلق بمؤسسة الحكم؛ استقرار الدولة السياسي هو الكفيل باستمرارية العيش والبناء والتنمية الاقتصادية، والازدهار، وضمان المستقبل الآمن والعيش الكريم للجيل الحالي والأجيال القادمة، إذ لا يمكن أن تهنأ الشعوب بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والحضارية، والفكرية، وإن تهيأت لها الثروات، ما لم تتوفر لها مقومات الأمن والاستقرار اللذين يعتمدان أولاً وأخيراً على الاستقرار السياسي والأمني. وذكر البوعينين أن مؤسسة الحكم كان لها الدور الرئيس في تحقيق الاستقرار السياسي الأمثل للبلاد والعباد، ومن دونها لم تكن الدولة لتحقق كل ما وصلت إليه من تطور وازدهار، وبناء لقطاعات الاقتصاد مما جعلها قبلة المستثمرين، ووجهة الباحثين عن الفرص الآمنة حول العالم. وأضاف: "المتابع للأجواء السعودية بعد وفاة ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، يؤكد من جديد التلاحم الكبير بين أفراد الأسرة المالكة، من جهة، وبينهم وبين الشعب من جهة أخرى. في الدول الأخرى، تظهر حالة الاستنفار الأمني بمجرد فقد أحد أركان الحكم، وهو ما لم يحدث محليا. اجتماع هيئة البيعة بُعيد انقضاء أيام العزاء، وتسمية الأمير نايف بن عبدالعزيز وليا للعهد أكدت على التفاهم الكبير بين أركان الأسرة المالكة، واللحمة وهو ما يصب في مصلحة البلاد والعباد". وقال البوعينين أن اختيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز جاء متوافقا مع قناعات خادم الحرمين الشريفين، وهيئة البيعة الممثلة للأسرة المالكة، ومتوجا لدوره القيادي الكبير في مؤسسة الحكم، وكفاءته، ولخبرته العريضة في شؤون الحكم والسياسة والاقتصاد، وكل ما له علاقة بإدارة شؤون الدولة، وهو الاختيار الذي وجد الترحيب والتأييد من قبل الشعب السعودي. سياسة انفتاحية من جانبه يرى الرئيس التنفيذي لمركز المال والأعمال للتدريب علي الزهراني، أن السياسات النقدية نوعين إما أن تكون سياسة تحفظية تسمى سياسة انكماشية أو سياسة توسعية، مبيناً أن المملكة منذ الأزمة المالية وخصوصا منذ عام 2008، وهي تحقق فوائض مالية من عمليات بيع النفط، إذ استخدمتها بسياسة مالية انفتاحية. وقال الزهراني إن المملكة تعتمد التوجه إلى مشاريع البنى التحتية، وتحقيق الصرف الحكومي بشكل رئيسي على أساس أن تتفادى أي نقص في ضخ السيولة للاقتصاد وحصول أي تراجع أو كساد أو عدم توفر مشاريع للشركات الذي ينتج عنه إغلاق وترحيل للعمالة. أما الدكتور أسامة فلالي فقال إن المملكة تشهد تنمية اقتصادية ورخاء وتوفرا للنعم، مضيفاً: "البترول وصناعته يتزايد الطلب عليه ومع ذلك المملكة توفره إذ إن المملكة تبتغي الرخاء لنفسها ولجميع دول العالم وتسعى للاستقرار الاقتصادي العالمي". وقال فلالي إن وجود المملكة كعضو في مجموعة ال 20 يعكس لنا إدراك دول العالم والمنظمات الاقتصادية دور المملكة وتأثيرها في الاقتصاد العالمي ودورها الإيجابي الذي لا تسعى فيه لاستغلال الظروف وزيادة الدخل والتأثير السلبي على الاقتصاد العالمي بل بالعكس تنظر لتحقيق الرخاء والاستقرار في العالم أجمع. اقتصاد ريعي وأوضح الزهراني أن الاقتصاد السعودي اقتصاد ريعي يعتمد على النفط بشكل أساسي وهذا مؤثر بشكل رئيسي في أسواق النفط في العالم، حيث تعد المصدر الأول للطاقة، مضيفاً أنه في مرحلة من المراحل سيكون للمملكة دور رئيسي لتعويض النقص لا قدر الله الذي يمكن أن يحصل في أي مرحلة قادمة في ظل كوارث طبيعية أو أزمات سياسية مثل الحظر الذي حصل مع إيران، حيث عوضت المملكة 2 مليون برميل بدل حصة إيران. وذكر الزهراني أن اقتصاد المملكة المعتمد على النفط مستقبلا يجب أن يعتمد على الاقتصاد المعرفي المبني على البشر أكثر من المصادر الطبيعية، مضيفاً: "وهذا توجه للمملكة لتنمية الإنسان بدل الموارد الطبيعية". وعن سوق الأسهم قال الزهراني إن سوق الأسهم جهة تمويلية للشركات ولبدء الأعمال وتنشيط الاقتصاد بصفة عامة، مشيراً إلى أن المملكة في مرحلة من المراحل كان من المهم جدا أن يكون فيها سوق مال يعمل كجهة رئيسية لجمع كل عناصر الاقتصاد الرئيسية من خلال الجمع بين المقرضين والمقترضين. وأضاف الزهراني أن السوق في المرحلة القادمة سيكون أكثر نضجا وسيمتلك وسائل وأدوات جديدة للمتاجرة في أسواق المال، معتقداً أن السوق في مرحلة من المراحل سوف يفتح للمستثمر الأجنبي بشكل مباشر، مضيفاً: "كل المعطيات سوف تكون إيجابية وسوق المال ما هو إلا منهل للاقتصاد". أرقام مبشرة يذكر أن الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف وزير المالية، قال قبل نحو 4 أشهر إن إيرادات الميزانية فاقت التوقعات، مؤكداً مواصلة الحكومة لسياستها الإنفاقية، مشيراً إلى أن السياسات الحكيمة التي اتخذها مهندس الإصلاح الاقتصادي الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز جعلت السعودية تشهد زيادة مضطردة في نسب النمو. وعدد وزير المالية، أبرز الأسباب التي قادت السعودية لاحتلال وضع مالي واقتصادي متميز، مبينا أن السياسات الحكومية راعت ضخ المزيد من السيولة في المشاريع التنموية، والاستفادة من المدخرات الحكومية الضخمة في بناء اقتصاد محلي كبير وموثوق، وتوظيفها عند الحاجة إليها لضمان استمرارية تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والعمل من أجل تخفيض نسبة الدين المحلي، معترفا بأن أهم التحديات التي تواجه بلاده الآن كيفية توفير عمل للشباب السعودي. وقال العساف إن المملكة حققت نموا اقتصاديا بلغ 6.8% رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي في العام الماضي، متوقعا استمرارية هذا الأداء، ومؤكدا في الوقت نفسه أن الدعم الحكومي للاقتصاد الوطني أحد أهم ضمانات استمرار النمو المستدام، خصوصا في ظل الارتفاع المضطرد في أحجام الصادرات السعودية غير النفطية، متوقعا استمرارية هذا الأداء، واصفا الآفاق الاقتصادية، متوسطة المدى، بأنها إيجابية مع توقع نمو قوي في الناتج المحلي غير النفطي. كما أن وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر، أكد قبل نحو 4 أشهر على أن المملكة تمر بمرحلة اقتصادية زاهرة، من خلال صرف حكومي غير مسبوق، بلغ العام الماضي 804 بلايين ريال، في حين لا توجد أي اختناقات حول قدرة قطاع الأعمال على الاستيراد وتوفير السلع، مؤكداً أن المملكة من أفضل الدول في قدرتها على استيعاب ذلك، مستدركاً: "لكن إذا زاد الطلب سيتأثر معدل التضخم". وأكد الجاسر أنه على الرغم من أن القطاع غير البترولي داخل تركيبة الدخل القومي للمملكة نما بشكل لا يفي بالطموحات، إلا أنه ارتفع إلى حوالي 76%، حيث ارتفعت نسبة الصادرات السلعية غير البترولية إلى الواردات السلعية للمملكة من 21% في عام2001 إلى 38%. وشدد الجاسر على أهمية إيجاد فرص عمل مجزية للسعوديين، في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، داعياً إلى إعادة هيكلة هذا القطاع. وتوقع الجاسر أن يشهد معدل التضخم استقراراً خلال الفترة المقبلة، مرجحاً انخفاضه بعد بدء نتائج مشاريع الإسكان التي أعلنتها حكومة المملكة، مبيناً في ذات الوقت أن أثر التضخم في ما يتعلق بالإسكان أثر داخلي هيكلي ويحتاج إلى وقت، في حين أن أثر تضخم الأغذية أثر مداه قصير.