في بداية مشهد «ثانوية النسيم» كانت هناك معركة «مضاربة» خارج المدرسة بين مجموعتين من المتنمرين، إحداهما يقودها «مشعل» – المتنمر الضحية كما قدمه المسلسل – وفي أثناء ما كانت «المضاربة» على أشدها توقفت سيارة للمعلم المتفاني في عمله «عبدالله»، لتبدأ قصته مع رعايته «مشعل» أملا في إصلاح التعليم الثانوي، وتطبيقا لأطروحة الماجستير الذي كتبها في بريطانيا. على الرغم من أن المسلسل لفت الانتباه كإضافة للدراما السعودية، وعلامة فارقة في التحول الذي تشهده المملكة في شتى المجالات، خصوصا فيما يتعلق بالفن، فإن الرسالة التي يحملها المسلسل تجعلنا نقف في مفترق طرق، ف«مشعل» كما قدمه المسلسل قائد لمجموعة «شِلّة» متنمرين في المدرسة، وضعيف في تحصيله الدراسي، إذ تقدم بالعمر ولم يستطع إكمال المرحلة الثانوية. يجلس في آخر ركن بالصف مع مجموعته، فارضا سيطرته على الطلبة في صفه «مهجدهم»، ويتعامل مع معلميه ب«نديّة»، أي ب«قِلّة أدب» وعدم اكتراث، خصوصا في طريقة حديثه مع المعلم وانضباطه في أثناء الحصة، وكذلك في طريقة لبسه، إذ يضع شماغه على كتفه بطريقة متعجرفة. ومن مظاهر تنمره وعجرفته استغلاله أحد زملائه المتفوقين دراسيا كي يحل له الواجبات المنزلية دون مكافأة سوى أن يتقي شره. وفي المقابل، تجده – كما يقدمه المسلسل – لديه سمعة عند مجتمعه البسيط (أفراد عائلته وجيرانه في الحي) أنه شجاع، وشهم، ومحبوب لدى الجنس الآخر، أي أنه فارس أحلام الفتيات «شنبه يرف» و«أنفه لا يقع عليه الذباب». مع ذلك كله يأتي المسلسل بالأستاذ «عبدالله» لكي يرعى هذه الشخصية المتمردة، ويراه ضحية ظروف، فيعامله كحالة استثنائية يهدف من خلالها لإصلاحه، فتبدأ القصة من أول لقاء بينه وبين مشعل عندما توقف بسيارته ليفض المعركة خارج المدرسة، وتتوالى الأحداث حتى كسر «المتنمر الضحية» مشعل مع «شلته» المتنمرين زجاج سيارة الأستاذ عبدالله، فما زاد ذلك الأستاذ المتفاني في عمله إلا تسامحا وتعاطفا وإصرارا، حتى أصبح مهووسا في عمله، فبدأ يقضي وقته في زيارة أولياء أمور مشعل وشلته، وأصبح يمد جسور التواصل فيما بينه وبينهم حتى وصلت به الحال إلى أن يستقبلهم في بيته بعد منتصف الليل ويضيفهم، على الرغم من وقاحتهم معه، وتقليلهم من احترامه. الأمر الذي دعا زوجته الى أن تخرج لبيت أهلها استنكارا لهوس زوجها بإصلاح ما أفسده الدهر، وهنا نجد أن «مشعل» تمت مكافأته بوجود أستاذ مثل «عبدالله». المسلسل يريد أن يوصل رسالة أن الأستاذ يستطيع أن يسهم بتفانيه في إصلاح التعليم من خلال فهم الخلفيات الاجتماعية للطلاب المشاغبين أو المتنمرين، ومد جسور التواصل الحقيقية التي تعتمد على «التعاطف» و«التفهم» و«الرعاية». لكن الرسالة التي قد تصل إلى طلاب الثانوي هي كالتالي: كن متنمرا، وتمرد حتى يأتي مرشدك الذي يرعاك ويدلك على الطريق. في حقيقة الأمر أن الرسالة التي نستطيع أن نقرأها من المسلسل في حلقاته الخمس ما هي إلا رسالة مزدوجة «ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب». قد لا تكون مقصودة من القائمين على المسلسل، ولكن يمكن استقبالها هكذا، فلو سلمنا أن القصة حدثت في أرض الواقع، وكان هناك أستاذ متفان في عمله مثل «عبدالله»، سخر معرفته ووقته لمواجهة متنمر متعجرف ومتمرد مثل «مشعل»، فكم يحتاج التعليم من معلم يقوم بهذه المهمة؟ وكم من متنمر في المدارس الثانوية يحتاج إلى التعاطف معه؟ وماذا عن الطلبة الآخرين الذين يريدون أن تكون فصولهم الدراسية مكانا آمنا.. لا يشعرون فيها بخوف أو تهديد؟ الرسالة التي أعتقد أن الكثير قرأها – خصوصا مجتمع الشباب – هي «ليس في كل الأحوال عقوبة الشر سيئة، وإنما قد تأتيك مكافأة كالأستاذ عبدالله»، ونحن نشاهد المسلسل بدهشة كنا نتساءل: ماذا عن الطلاب الذين تم التنمر عليهم وتخويفهم واستغلالهم؟ّ! لماذا لم ينقذ الأستاذ عبدالله هؤلاء؟! لماذا لم يقف معهم؟! لماذا أصبح سندا وعونا ل«شلة» متنمرة؟! لماذا لم يترك المتنمر مشعل يلقى «حتفه» نتيجة أفعاله السيئة؟!. تساؤلات كثيرة قد تجيب عنها الحلقات الأخيرة للمسلسل.