كانت مجلة الأحكام العدلية، المعروفة ب«المجلة»، تتبنى جهدًا قانونيًا من 1851 مادة تقوم على تقنين الأحكام الشرعية المتعلقة بالبيوع والإجارات.. إلخ، وتستند إلى تخويل شرعي لوضع هذه الأحكام في صيغة قوانين ملزمة، وتحمل مسمى «الأحكام العدلية» أو «القوانين الملكية للدولة العلية» من قبل الأوروبيين. وتتبنى المجلة أسلوبًا قانونيًا يستند على الأصول الشرعية، مع استثناءات قليلة تعتمد على اجتهادات من المذاهب الأربعة. جاءت هذه المجلة كرد فعل على تطور المدارس القانونية الأخرى وحاول الفقه الحنفي القائم على العقل بشكله العام الإجابة على التطورات التي تمت حول المنطقة -في تلك الحقبة- إلا أن هذه المجلة لم تشهد تطورًا يذكر لتتحول إلى مدرسة وفلسفة بل انغلقت مما أدى لعدم النجاح في تحديثها لتلائم القانون بشكله المعاصر وتزامن هذا مع ضعف الدولة العثمانية في ذلك الوقت وفشل أنظمتها. لا يمكن الجزم بقدرة أي نظام عدلي على تطبيق الشريعة الإسلامية (الفقه) مباشرة كقواعد قانونية لأن الشريعة مصدر للقانون والقانون علم فني قائم بحد ذاته ويبني قواعده من الأصول (الشرعية)، فالشريعة لم تأت بقواعد قانونية مفصلة على النحو الذي نراه اليوم في الأنظمة المختلفة من حولنا. ثم تم استيراد مفردة النظام لاحقًا ولم يتم تحويلها إلى قانون دون النظر للفكرة العثمانية وراء استخدامها. جاءت مفردة القانون من الكلمة اليونانية Kanun ومعناها العصا أو الخط المستقيم، وكانت النظرة السائدة لهذه الكلمة أنها كلمة تحمل مدلولات ثقافية واجتماعية لا تناسب ثقافتنا وتدل على القانون الوضعي. ومن هذه الناحية لا نجد تعارضا بين الإسلام كمشرع وبين القانون الوضعي الذي أصبح منظما لما يستجد في حياة البشر مما لم يتناوله الفقه سابقا. وفي هذا السياق فإن استخدامنا لكلمة (قانون) بات مهمًا اليوم، فنحن في النهاية جزء مهم من مجتمع دولي يؤطره القانون، وعندما نستبدل كلمة نظام بكلمة قانون فنحن نستبدل كذلك السياق الثقافي والتاريخي غير المناسب لمرحلتنا الحالية، ونحن نلمس على أرض الواقع استخدامات المفردة دون تحرج في مواقع كثيرة ومن قبل المسؤولين ورجال القانون ورجال الدولة. كما أن كلمة «القانون»، برغم أنها ليست عربية في أصلها، فإنها مستخدمة تاريخيًا في الإنتاج العلمي والثقافي العربي فنجد على سبيل المثال كتابًا في الفقه عنوانه (قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية) لابن جزئ. كما أورد المفردة الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه المستصفى من علم الأصول، والماوردي وابن خلدون وأبو يعلي في الأحكام السلطانية وابن سينا في كتابه المشهور (القانون في الطب) وتشير هذه الكلمة بشكل عام إلى القوانين والقواعد الإلزامية. من جهة أخرى فثقافتنا قوية لا يخشى عليها من التأثر ولسنا بحاجة لاستيراد حرج تاريخي يمنع من استخدام مفردة عالمية دقيقة في استعمالها ومضامينها وما يتفرع عنها.