يبدأ حب الأم لطفلها مبكرًا، منذ أن صار مضغة من علقة، حتى تخلقت عظامه وتحركت أطرافه، وشعرت بنبضه يجري في دمها فازدادت حبًّا وتعلقًا به، قبل أن تراه. وإن خُيرت أي أم بين حياتها وصحة جنينها لاختارت صحته وحياته. ولكن في معيار الإنسانية صحة الأم دائمًا مُقدمة على صحة طفلها أثناء الحمل، إذا ما كان الحمل يهدد حياة الأم ينهي الأطباء الحمل لإنقاذ الأم، مثل حالات ارتفاع ضغط الأم الشديد وحدوث تسمم الحمل، فتصبح حياة الأم على المحك. منذ القدم وحتى العصر الحديث، والأمهات يمتن أثناء الحمل أو الولادة نتيجة مضاعفات طبية، ولكن تحسن الرعاية الصحية والتغذية والنظافة جعلت وفيات الأمهات أكثر ندرة اليوم، بالرغم من ذلك النساء ما زلن يمتن لأسباب مرتبطة بالحمل من الممكن الوقاية منها. تقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 300 ألف امرأة توفيت لأسباب تتعلق بالحمل خلال 2020، وهذا يعني أن 800 أم تموت كل يوم حول العالم. يمكن الوقاية من جميع وفيات الأمهات تقريبًا في العالم من خلال توفير الرعاية الكافية لهن، والولادات المأمونة، والتغذية الجيدة، والنظافة والماء النقي. في أسوأ الأحوال، لو ماتت الأم أثناء الحمل لظرف صحي ما هو مصير جنينها؟ هناك العديد من الأمهات هن أكثر عرضة للموت أثناء الحمل، كالحوامل في مناطق الحروب، والمجاعات، معظمنا رأى أو سمع عن ولادة طفل فلسطيني بعد استشهاد والدته، أخرجه الأطباء من رحم أمه، وغالبًا من خلال عملية قيصرية عاجلة قبل أن يؤثر فيه انقطاع الأوكسجين لتوقف الدورة الدموية لدى الأم نتيجة وفاتها، وخرج طفل للحياة رغم الموت المحيط به، وسينجو بإذن الله. هذا المولود الفلسطيني ليس الوحيد الذي خرج للدنيا من رحم أم ميتة، رغم صعوبة الأمر، فبعد وفاة الأم تنقطع الدورة الدموية عن الجنين ويقل الأوكسجين وعادة يموت كأمه إذا لم يتم التدخل مبكرًا، وكثير ما سمعنا عن أمهات لم يُدفنّ حتى اختفت آخر رفسات أجنتهن، لأنه لم تكن هناك طريقة لإخراج هذا الجنين الحي من رحم ميت لا يحركه طلقٌ، ولا يستطيع قذف ما بداخله، أتذكر أيام دراستي أثناء تشريح جثة سيدة، وجدنا جنينًا يسكن أحشاءها، ماتت ومات جنينها قبل أن يتمكنوا من إنقاذه، كان جنينًا مكتملًا، عمره الرحمي يقارب السبع والثلاثين أو ثمان وثلاثين أسبوعًا، سألت نفسي وقتها ما الذي قتل الأم، لولا الحاجة لما باع ذووها جثتها لكلية الطب. إذًا غالبًا قضت نتيجة مضاعفات الحمل وقصور الخدمات الطبية في مجتمعها. توقف عضلة قلب الأم الحامل يستلزم ولادتها بأقصى سرعة، وكحدٍ أقصى خلال 10 دقائق، لأنه لا يمكن للجنين تحمل نقص الأوكسجين أكثر من هذه المدة، ووجوده أكثر من هذا الوقت يرفع فرص إصابته بنقص الأوكسجين، وإصابته بالإعاقات الذهنية والحركية المختلفة، وفشل وظائف الأعضاء ومن ثمّ الوفاة. هناك أجنة عاشوا في أرحام أمهات متوفيات دماغيًا، حيث تم الحفاظ على حياة الأمهات بوضعهنّ على أجهزة تنفس صناعية وأدوية داعمة للضغط والدورة الدموية، ويخرج الجنين إذا ما تجاوز فترة الحمل التي يستطيع العيش بعدها، وعادة بعد إكمال 25 أسبوعًا من الحمل، وينوم في العناية المركزة لحديثي الولادة حتى يُكمل 34 أسبوعًا من عمره حيث تتضاءل مضاعفات الخداجة بعدها، وكأن الحضانة رحمٌ بديل، رغم أنه ليس كذلك، بل يكون الخديج عرضة لكثير من المضاعفات كلما قل العمر الرحمي. حسب دراسة أجريت عام 1996 لقرابة 76 امرأة توفيت ونجا قرابة 64 من أجنتهن، فإن (31.3%) من هؤلاء المواليد بقوا على قيد الحياة حتى عمر 5 سنوات بينما 68.6 % لم ينجوا. تشمل العوامل التي تساعد على بقاء الرضع على قيد الحياة، الولادة في المستشفى أو وفاة الأمهات في المستشفى، الرضاعة الطبيعية من قبل أم بديلة (عادة ما تكون إما أخت أو أم المتوفاة)، والتحصينات الأساسية، وجودة الخدمات الصحية. في بولندا توفيت أم مصابة بالسرطان، دماغيًا في الأسبوع 17 من الحمل، وتمّ الحفاظ على حياتها لمدة 56 يومًا أي ما يعادل 8 أسابيع بحيث أصبح عمر الجنين 25 أسبوعًا، وبعدها ولد الطفل بعملية قيصرية. اعتبر البعض هذه القصة معجزة، فكل ما لا يُتوقع حدوثه هو معجزة، أو ربما كل ما لا نتصوره نعتبره من المستحيلات، لكن في الحقيقة، أن أجساد الأمهات مُدهشة، الولادة والموت معجزة، وكل ما نصنعه بينهما هو ما نعتاد عليه. لولا الحاجة لما باع ذووها جثتها لكلية الطب. إذًا غالبًا قضت نتيجة مضاعفات الحمل وقصور الخدمات الطبية في مجتمعها.