يقال إن رجلا اشترى حمارا -أكرمكم الله- من صاحبه، وبعد يومين عاد لصاحب الحمار، واتهمه بالغش وأنه باعه حمارا عنيدا لا يتحرك رغم ضربه وكيه بالنار، فرافقه ذلك الصاحب إلى مكان الحمار ووجده يقف أمام شجرة اعتاد ربطه بلجامه فيها، فك وثاقه، بعد إجرائه عدة حركات بيديه، فإذا بالحمار ينطلق ويتحرك دونما عصيان، ونظر صاحب الحمار السابق إلى المشتري وقال له: كلما فعل ذلك، افعل بيدك مثل هذه الحركات أمامه لتفك وثاقه فإنه (مربوط في عقله). كنت أعتقد أن القصة من نسج الخيال، حتى شاهدت مقطع فيديو قبل أيام لفتاة أمريكية تعمل سائسة خيول، تفعل حركات أمام أحد الخيول وكأنها أمسكت بلجامه وبدأت تحرك يدها يمينا ويسارا وإذا بذلك الحصان «يدر برأسه» يمينا ويسارا تبعا لحركات يد السائسة وكأنها تقوده بلجام حقيقي، حتى إنها ركضت مسرعة فلحق بها على طول المضمار حتى لفت ذلك اللجام الوهمي على أحد الأعمدة الحديدية، فتوقف الحصان عن الحركة، ورغم أنه ليس مربوطا فإنه ألزم نفسه بالسكون القهري كونه (مربوطاً في عقله)، فهل يا ترى هذا اللجام الوهمي كان في رأس ذلك الحمار والحصان منذ ولادتهما، أم أنها قيود رأتها عيونها وتعاملت معها أجسادها حتى أصبحت راسخة في أدمغتها، فلم يعد للمنطق معها أي تقبل. ما أريد قوله إننا إن تأملنا حياة من حولنا فقد نجد أنه ليست الدواب فقط من قيدت جماجمها بقيود وهمية، فكم من عقل كان نابغة في مكان وزمان ما، وبمجرد أن يعيش في قيود فكرية تجده وكأنه قد تمت قولبة فكره ومنطقه إلى أضيق نطاق يمكن أن يعيش فيه، فلم يعد يعتقد بوجود المساحات الشاسعة في العيش. على سبيل المثال طفل ولد وعاش وترعرع وهو يشاهد جميع الرجال من حوله لا يرتدون إلا العمامة أو الغترة أو الكرفته، حتى تقولب دماغه تحت لجام فكري، يجعله يتقبل من يرتدي تلك الأغطية فقط، ولا يتقبل غيرهم، بينما جميع أولئك المرتدين للغترة أو العمامة أو حتى الجينز لم يولدوا يوما بذلك. فهل يا ترى نحن على استعداد أن نعي سعة خلق الله وقدرته على مضاعفة عدد مخلوقاته وأجناسهم وأعراقهم وهواياتهم وتفاصيل حياتهم التي بالتأكيد ستختلف عنا، أم إن البعض قد حول فكرة في رأسه إلى لجام قهري يجعل من يتعامل معه يعي أنه (مربوط في عقله).